أما تصحيح الأحاديث وتضعيفها وتحسينها فعندهم على طريقة سهلة لم تكن مألوفة لدى النقاد من قبل، وهي النظر في ترجمة رواة الحديث من خلال كتب التراجم، لا سيما كتاب التقريب للحافظ ابن حجر؛ فإذا وجدوا الرواة كلهم ثقات صححوا الحديث، حتى وإن أعله النقاد، وإن كان فيهم صدوق أصبح الحديث حسنا لذاته، وإن كان فيهم ضعيف فالحديث ضعيف، وإذا جاء من طريق آخر فحسن لغيره، وهكذا يطلقون الحكم فيما هو مقيد، ويقيدون فيما من شأنه الإطلاق.
وبهذا النوع الجديد من الدراسات يكون الباحث المعاصر قد ألغى - من غير أن يشعر - كثيرا من مصطلحات الحديث، لا سيما الشاذ والمعلول والمنكر.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أننا نشاهد بعض الكتاب والأساتذة الجامعيين يسيئون فهمهم لمنهج المحدثين النقاد في تصحيح الحديث وتعليله، ويتهمونهم بقلة الفقه، وكثرة النظر في الشكليات وظواهر السند، وأنهم لا يجدون حرجا أمام طلبتهم في إنكار بعض الأحاديث التي اتفق العلماء على صحتها طوال القرون الماضية، وحجتهم في ذلك أن تلك الأحاديث تتعارض مع ما فهموا من القرآن أو أنها لم تخضع لعقولهم.
والجدير بالذكر أن هؤلاء الباحثين والكتاب والأساتذة جميعا قد درسوا في الماضي كتب المصطلح ضمن مقررات الجامعة أو مقررات المعهد أو غيرها.
هذه الظاهرة لا يشك عالم منصف غيور على السنة النبوية في خطورة نتائجها على المدى البعيد.
إلى متى يقف الغيورون على السنة مكتوفي الأيدي - وهم يشاهدون هذه الظاهرة الخطيرة تنتشر في أوساط الباحثين المبتدئين-؟ وكيف يحلو لهم التساهل في مواجهتها، والبحث عن سبل علاجها؟.
هنا يجب علينا أن نتساءل:
ما قيمة تدريسنا لمقررات الحديث وعلومه في الجامعات والمعاهد إذا لم يعالج ذلك الخلل، ويصلح الفساد، ويصحح المفاهيم؟
كم يبذل في تدريس هذه المقررات من جهد ووقت ومال؟
كيف انتشرت اليوم هذه الظاهرة الخطيرة بين الباحثين؟
ماذا يستفيد الطلبة من هذه المقررات؟