من تتبع الأبحاث والدراسات التي تغص بها الأسواق اليوم في مجال السنة وعلومها، وتأمل فيها بإمعان وإنصاف، بعيدا عن التعصب والتقديس، وجد كثيرا منها غير منضبطة بقواعد علوم الحديث؛ إذ يتعامل فيها أصحابها مع نصوص المحدثين النقاد ومصطلحاتهم العلمية بصورة غير منهجية، ويحملونها على غير محملها، فيطلقون ما هو مقيد، أو يقيدون ما كان مطلقا، ومن هنا وقع في تلك الأبحاث خلط وازدواجية بين مناهج مختلفة، سواء أكان ذلك في تنظير القواعد أو ترجيح المسائل، حتى أصبحت ظاهرة التعقيب على نقاد الحديث أمرا مألوفا لدى المعاصرين لا لخطأ اكتشفوه، ولا لوهم وجدوه، بل غرورا بما لديهم من تصورات سطحية حول مبادئ علوم الحديث فيطلقون القاعدة التي تكون لها استثناءات يجب أخذها بعين الاعتبار، كقولهم تعقيبا على الحديث الذي أعله النقاد بتفرد راويه:
((لا يضر تفرده لأنه ثقة)) أو ((زيادة الثقة مقبولة كما هو مقرر في كتب المصطلح)) .
وقولهم فيما صححه النقاد:
((هذا إسناد منقطع لعنعنة المدلس، وهو في الطبقة الثالثة من التدليس)) .
وقولهم في الحديث الذي ثبت انقطاعه:
((الإسناد متصل لوجود معاصرة بين الرواة)) أو ((هذا الراوي من الطبقة الثانية من التدليس فعنعنته مقبولة ومحمولة على الاتصال)) .
وقال أحد الباحثين - وهو في معرض رده على الإمام أبي حاتم -:
((لو درس أبو حاتم أو غيره من الأئمة حتى البخاري دراسة وافية لما تجاوزوا النتائج التي توصلت إليها، والحمد لله إني طبقت قواعد المحدثين)) .
وقال باحث آخر، وهو يعقب على حديث أعله الإمام ابن المديني:
((هكذا تعل الحديث يا ابن المديني!)) .
وغير ذلك من التعقيب بما لا يخفى على الطلبة المبتدئين، فضلا عن المحدثين النقاد.