ينبغي أن نعلم أن الشكوى من جدية هذا العلم وصعوبته، وقلة من يتأهل له، وانشغال الطلبة بقشوره وظواهره دون الغوص في أعماقه ليست جديدة وليدة هذا العصر، بل قديمة جداً، فإننا نقرأ في مقدمة كتاب علوم الحديث لابن الصلاح (?) المتوفى 643هـ كلاماً يشهد لذلك قال:
((إن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة، وأنفع الفنون النافعة، يحبه ذكور الرجال وفحولتهم، ويُعنى به محققو العلماء وكَمَلَتُهُم ولا يكرهه من الناس إلا رُذالتهم وسَفِلَتُهم. وهو من أكثر العلوم تولجاً في فنونها، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها، ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء، وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء.
ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيماً، عظيمةً جموع طلبته، رفيعةً مقادير حفاظه وحملته، وكان علومه بحياتهم حية، وأفنان فنونه ببقائهم غضة، ومغانيه بأهله آهلة، فلم يزالوا في انقراض ولم يزل في اندراس، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد، ضعيفةُ العُدَد، لا تُعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غُفْلاً، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عُطْلاً، مطَّرِحين علومه التي بها جل قدره، مباعدين معارفه التي بها فُخِّم أمره)) .
وفي القرن الذي يليه شكا الإمام الذهبي رحمه الله المتوفى سنة 748هـ من كسل طلبة الحديث، وعدم بذلهم الجهد اللازم للتأهل في هذا العلم، كما شكا من تجرئ غير المتأهلين له على ولوج ميادينه وأبوابه، فقال في كتابه القيم تذكرة الحفاظ (?) ينصح طلبة الحديث: ((.... ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نَقَلة الأخبار ويجرحهم جهبذاً إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر، والتيقظ، والفهم مع التقوى، والدين المتين، والإنصاف، والتردد إلى مجالس العلماء، والتحري والإتقان، وإلا تفعل: