هذا التحذير الإلهي العظيم، إنه روى أن إناسا كان لخم أزواج وأولاد عاقوهم عن الهجرة من مكة إلى المدينة فترة من الزمن، فلما تغلبوا عليهم وهاجروا، ووجدوا الذين سبقوهم إلى الهجرة قد تعلموا وتفقهوا في الدين فتأسفوا عن تخلفهم. فهموا بأزواجهم وأولادهم الذين عاقوهم عن الهجرة فترة طويلة فهموا أن يعاقبوهم بنوع من العقاب كتجويعهم أو ضربهم، أو تثريب وعتاب شديدين فأنزل الله تعالى هذه الآيات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ} أي من بعضهم لا كلهم إذ منهم من يساعد على طاعة الله ورسوله ويكون عونا عليها والمرأة في هذا كالرجل فمن النساء الصالحات من يكون زوجها وولدها عدوا لها يحاولون صرفها عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو في النساء كثير، والواقع شاهد. كم من امرأة يأمرها زوجها بكشف وجهها، ويمنعها من التصدق بمالها، ويصرفها عن بر والديها إلى غير ذلك.
وقوله: {وَإِنْ تَعْفُوا} أي عن أزواجكم أو أولادكم الذين فتنوكم في دينكم فلا تؤاخذوهم بضرب أو أي عقاب، {وَتَصْفَحُوا} فتعرضوا عنهم وتعطوهم صفحة وجوهكم فلا تسبوا ولا تشتموا {وَتَغْفِرُوا} أي لهم ما حصل منهم من أذى وهم صرفوكم عن الهجرة زمنا فاتكم فيه خير كثير من العلم والفقه وصحبه الحبيب صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . فاغفروا يغفر لكم وارحموا يرحمكم، ثم قال تعالى مخبرا عن حقيقة علمية ثابتة يجهلها العباد وهى أن المال والولد فتنة يمتحن الله تعالى بها عباده أي يبتليهم ويختبرهم ليعلم الصادق في الطاعة من الكاذب والبار بحق من الفاجر، ومن يحب الله ورسوله أو يحب ماله وولده فقال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} . وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} . آي فآثروا ما عند الله تعالى على ما عندكم من مال وولد. وأحسنوا التصرف فيهم فلا تعصوا الله لأجلهم، لا بترك واجب ولا بفعل محرم، واحذروا أن تسيئوا التصرف فيحملكم حبهم على التفريط في طاعة الله ورسوله. واعلموا أن ما عندكم ينفذ وما عند الله باق فآثروا الباقي على الفاني.
وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} هذا من إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما أخبرهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم علم تعالى أن بعض المؤمنين سيزهد في المال والولد،وأن بعضا