وقوله تعالى: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} قدم جهاد المال على جهاد النفس، لأن العدة مقدمة على من يحملها في هذا الباب فالمال لإعداد عدة الحرب، والعدة سلاح على اختلافه وطعام وشراب ومركوب للغزاة والمجاهدين، وثنى بجهاد النفس وهو بذل أقصى الجهد والطاقة البدنية وقوله في سبيل الله وقدمه على المال والنفس إذ قال تعالى: {ِوَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} لأن الجهاد إذا لم يرد به إعلاء كلمة الله، فهو لغير الله وهو باطل مذموم والمراد من إعلاء كلمة الله أن يعبد الله وحده ويحكم شرعه في عباده ويرفع الظلم عن أوليائه وهم المؤمنون المتقون وقوله عز من قائل: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} يريد تعالى أن الدخول في هذه الصفقة التجارية خير لكم من تركها والإعراض عنها حرصا على بقائكم وبقاء أموالكم مع أنه لا بقاء لشئ في هذه الحياة الدنيا، بعد أن بين لهم الثمن وهو الإيمان والجهاد بين لهم الجزاء فقال: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} وأوقع بيان السلعة موقع الجزاء إذ قوله فى بيان الثمن {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ....} فالفعلان مرفوعان، وفعلا البضاعة يغفر لكم ويدخلكم مجزومان على تقدير: إن تؤمنوا وتجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار على تقدير إن تعطوا الثمن المطلوب تعطوا البضاعة الموضوعة لذلك والمهيأة له.
وقوله تعالى: {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} هذا من أجزاء السلعة التي عرضت للبيع بثمن غال ألا وهو الإيمان والجهاد. الإيمان الحق والجهاد في سبيل الله تعالى لا غيره.
وقوله تعالى فى هذا النداء: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} . أي الحصول على السلعة المذكورة بالثمن المذكور هو الفوز العظيم، وخلاصة هذا الربح العظيم الذي لا يعادله ربح، والله إن النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار مع رضوان الرحمن.
وهنا ربح دنيوي أخر ذكره تعالى في قوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيب} .
وهذا فائدة زائدة عل السلعة وهى نصرهم على أعدائهم وأعداء ربهم وفتح قريب أم القرى وغيرها من عواصم الدنيا.