{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} وهو عام تسعة من الهجرة حيث حج أبو بكر رضى الله عنه أميرا على الحج، ونزلت هذه الآية الكريمة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينادى في عرفات ومنى ومكة بهذا الأمر " أيها الناس ألا لا يطوفن بالبيت عريان، ولا يحجن بعد هذا العام مشرك "؛ إذ كان المشركون يطوفون بالبيت عراة إذا لم يجدوا ثوبا حلالا. وقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي فقرا، لانقطاع المشركين عن الحج إذ كانوا يحملون البضائع التجارية ويبيعون ويشترون. {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فوعدهم بغناهم وسد حاجتهم التي خافوا أنها إذا امتنع المشركون من الحج حصلت لهم أي العيلة. وقوله: {إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} . وهذا استثناء منه سبحانه وتعالى حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة، وكونه تعالى عليما حكيما يرشح المعنى المذكور ويرجحه، لأن ذا العلم والحكمة لا يضع شيئا إلا في موضعه، فلابد إذا لمن أراد رحمة الله وفضله تعالى أن يجتهد في أن يكون أهلا لذلك بالإيمان والطاعة الكاملة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أي الأمر الثاني الذي تضمنه النداء هو ما تحمله الآية الثانية وهو قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} إنه لما أمر تعالى المؤمنين بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام وهذا يقتضي قتالهم حتى يسلموا، أمر المؤمنين أيضا أن يقاتلوا أهل الكتاب حتى يسلموا. أو يدخلوا في ذمة المؤمنين ويعطوا الجزية. فقال تعالى لهم: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ……الخ} وهم اليهود والنصارى، ولم يرض الله تعالى إيمانهم الفاسد، إذ اليهود مشبهة مجسمة يصفون الله تعالى بصفات ينزه عنها الله تبارك وتعالى، والنصارى يقولون ويعتقدون أن الله ثالث ثلاثة فهو كفر وليس والله بإيمان، فلذا أبطل الله إيمانهم فقال: {لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} ، إذ لو آمنوا بالله واليوم الآخر، لعملوا على دخول الجنة والنجاة من النار بالإيمان الصحيح والعمل الصالح الذي شرعه الله في دينه الحق الإسلام. فلذا هم كافرون بالله واليوم الآخر وقوله تعالى: {وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} ؛ إذ اليهود يدينون ببدعة اليهودية، والنصارى ببدعة النصرانية، والدين الحق الذي لا يقبل دين غيره الذي هو الإسلام كفروا به وحاربوه، فهم إذا يدينون بدين