وقال في الإبل: إذا وجدها في فلاة فلا يعرض لها، فإن أخذها فعرفها فلم يجيء صاحبها خَلَّاها في الموضع الذي وجدها فيه، قال: والخيل والبغال والحمير يعرفها ثم يبيعها فيتصدق بثمنها؛ لأنها لا تؤكل، وقال مالك: لا تباع ضوال الإبل، ولكن يردها إلى موضعها الذي أصيبت فيه، وكذلك فعل عمر بن الخطاب.

واتفق مالك وأصحابه أن الإِمام إذا كان غير عدل ولا مأمون لم تؤخذ ضوال الإبل وتركت مكانها؛ فإن كان الإِمام عدلًا كان له أخذها وتعريفها، فإن جاء صاحبها وإلا ردها إلى المكان، هذه رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك.

وقال أشهب: لا يردها ويبيعها ويمسك ثمنها؛ على ما روي عن عثمان - رضي الله عنه -.

وقال الشافعي: تؤخذ الشاة ويعرفها آخذها، فإن لم يجيء صاحبها أكلها ثم ضمنها إن جاء صاحبها، قال: ولا يتعرض للإبل والبقر، فإن أخذ الإبل ثم أرسلها ضمن.

قلت: وأما عند أبي حنيفة وأصحابه فيجوز الالتقاط سواء كان شاة أو بقرًا أو إبلًا أو فرسًا، وسيجيء الدليل عل ذلك، والجواب عما احتج به المانعون إن شاء الله تعالى.

السادس: في قوله: "اعرف عفاصه ووكاءها" دليل بَيِّن على إبطال قول كل من ادعى علم الغيب في الأشياء كلها من الكهنة وأهل التنجيم وغيرهم؛ لأنه -عليه السلام- لو علم أنه يوصل إلى علم ذلك من هذه الوجوه لم يكن لقوله في معرفة علاماتها وجه.

ص: قيل لهم: ما في ذلك دليل على ما ذكرتم، ولكن فيه أمر النبي -عليه السلام- إياه بترك ضالة الإبل؛ لأن من شأنها طلب الماء حتى تقدر عليه، ولا يخاف عليها الضياع لذلك؛ لأنها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، فتركها أفضل من أخذها وليس من أخذها ليحفظها على صاحبها بمأثوم، وقد سئل النبي -عليه السلام- في هذا الحديث أيضًا عن ضالة الغنم؟ فقال: "لك أو لأخيك أو للذئب" أي: لك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015