وأخرج البخاري (?) ومسلم (?): من حديث عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن عاصم، عن عامر، عن ابن عباس قال: "لا أدري أنهى عنه رسول الله -عليه السلام- من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية".
قلت: فهذا يبين أن ابن عباس علم بالنهي، لكنه حمله على التنزيه توفيقا بين الآية وعمومها، وبين أحاديث النهي.
وأما حديث ابن عمر، فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري، عن عبد الملك بن جريج، عن نافع عن ابن عمر.
الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي عن مكي بن إبراهيم وأبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، كلاهما شيخ البخاري، عن عبد الملك بن جريج، عن نافع، عن ابن عمر.
ص: فكان من الحجة عليهم في ذلك أن جابرًا -رضي الله عنه- قد أخبر أن النبي -عليه السلام- أطعمهم يومئذ لحوم الخيل ونهاهم عن لحوم الحمر، وهم كانوا إلى الخيل أحوج منهم إلى الحمر، فدل تركه منعهم أكل لحوم الخيل أنهم كانوا في بقية من الظهر، ولو كانوا في قلة من الظهر حتى احتيج لذلك أن يمنعوا من أكل لحوم الحمر فكانوا إلى المنع من أكل الخيل أحوج؛ لأنهم يحملون على الخيل كما يحملون على الحمر، وركوب الخيل بعد ذلك لمعاني لا يركبون لها الحمر.
فدل ما ذكرنا: أن العلة التي لها منعوا من أكل لحوم الحمر ليست هي هذه العلة.