فإن قيل: قد ذكروا أن نزول الآية في العمد، والحقوا به الخطأ والنسيان تغليظًا، وها هنا كيف يلحق غير الطعام بالطعام؟
قلت: لما كان النهي عن بيع الطعام قبل قبضه معلَّلا بأن فيه غرر انفساخ البيع، فهذا المعنى يوجد في غير الطعام أيضًا، فيلحق به، مع ما جاء من الآثار الدالة على بيع الطعام وغير كما تقدم ذكره.
فإن قيل: لا يجوز عندكم إثبات الكفارات قياسًا، وليس في المخطئ نصٌّ في إيجاب الجزاء، فكيف توجبون عليه الكفارة كالعامد؟!
قلت: ليس هذا قياس بل بالنص؛ لأنه لما استوى حال المعذور وغير المعذور في سائر جنايات الإحرام، كان مقصودًا في ظاهر النهي بتساوي حال العامد والمخطئ، وليس ذلك قياسًا، كما أن حكمنا في غير بريرة بما حكم النبي -عليه السلام- في بريرة ليس بقياس، وكذلك حكمنا في العصفور بحكم الفأرة، وحكم الزيت بحكم السمن إذا مات فيه، ليس هو قياسًا على الفأرة والسمن؛ لأنه قد ثبت تساوي ذلك قبل ورود الحكم بما وصفنا، فإذا ورد في شيء منه كان حكمًا في جميعه.
قوله: "وقد رأينا الطعام ... " إلى آخره دليل آخر يلحق غير الطعام بالطعام تأكيدًا لما ذكره من الجواب، وهو ظاهر.
قوله: "ولا يجوز السلم في العروض" ليس على الإطلاق ففي العروض التي يمكن ضبط صفتها ومعرفة مقدارها يجوز السلم فيها، كما عرف في موضعه.
ص: وفي ذلك حجة أخرى: أن المعني الذي حرم به على مشتري الطعام بيعه قبل قبضه، هو أنه لا يطيب له ربح ما في ضمان غيره، فإذا قبضه صار في ضمانه، فطاب له ربحه، فجاز أن يبيعه متى أحب، والعروض المبيمعة هذا المعنى بعينه موجود فيها، وذلك أن الربح فيها قبل قبضها غير حلال لمبتاعها؛ لأن النبي -عليه السلام- قد نهي عن ربح ما لم يضمن.