ولا يكون ذلك في غيره، فلما كان الطعام أوسع أمرًا في البيوع، وكثر جوازًا، ورأيناه قد نهى عن بيعه حتى يقبض، كان ذلك فيما لا يجوز السلم فيه أحرى أن لا يجوز بيعه حتى يقبض، فقصد رسول الله -عليه السلام- بالنهي الذي إذا نهى عنه دل نهيه على نهيه عن غيره، وأغناه ذكره له، عن ذكره لغيره، فقام ذلك مقام النهي إلى الذي لو عمَّ به الأشياء كلها.
ولو قصد بالنهي إلى غير الطعام أشكل حكم الطعام في ذلك على السامع، فلم يدر هل هو كذلك أم لا؟ لأنه قد يجد الطعام يجوز السَّلَم فيه، وليس هو بقائم حينئذ، ولشى يجوز ذلك في العروض، فيقول: كما خالف الطعام العروض في جواز السَّلَم فيه، وليس عند المسلم إليه، وليس ذلك في العروض، فكذلك يحتمل أن يكون مخالفًا له في جواز بيعه قبل أن يقبض، وإن كان ذلك غير جائز في العروض.
فهذا هو المعنى الذي له قصد النبي -عليه السلام- بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام خاصة.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إنكم ادعيتم أن النهي المذكور في الأحاديث المتقدمة وقع على الطعام وغيره، وإن كان النهي فيها عن الطعام خاصة، ولو كان المراد هذا لم يكن النبي -عليه السلام- يقصد بالنهي إلى الطعام بعينه، ولَكَانَ يذكر شيئًا يعمّ الأشياء كلها، فلما لم يعمّ الأشياء، وقصد بالنهي إلى الطعام؛ دل أن غير الطعام يخالف الطعام فيه، فافهم.
وتقرير الجواب ما ذكره بقوله: "قيل له .... " إلى آخره، ملخصه أن تعيين الطعام بالذكر من قبيل تعيين العمد بالذكر في قوله تعالي: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} (?) فإنهم اتفقوا على أن ذكر العمد في الآية ليس يقيد، بل حكم الخطأ فيه كالعمد، فكذلك الطعام ها هنا ليس بقيد، بل غير الطعام فيه كالطعام.