نحوًا من ذلك، فلما روى شعبة ما ذكرنا عن عبد الله بن جَبْر؛ احتمل أن يكون أراد بالمكوك المد؛ لأنهم كانوا يسمون المد مكوكًا، فيكون الذي كان يتوضأ به مدًّا، ويكون الذي يغتسل به خمس مكاكي، يغتسل بأربعة منها وهي أربعة أمداد وهي صاع، ويتوضأ بأخر وهو مد، فجمع في هذا الحديث ما كان يتوضأ به للجنابة، وما كان يغتسل به لها وأفرد في حديث عتبة ما كان يغتسل به لها خاصةً دون ما كان يتوضأ به، وإن كان ذلك الوضوء لها أيضًا.

ش: تقرير السؤال أن يقال: استدلالكم بما روى عبد الله بن جَبْر عن أنس لا يتم؛ لأنه روي عنه ما يخالف هذا، وهو: "أنه كان يتوضأ بالمكوك ويغتسل بخمس مكاكي".

وتقريرالجواب أن يقال: لا نسلم المخالفة المذكورة؛ لأن المذكور فيما رواه شريك عن عبد الله بن جَبْر عن أنس: "كان رسول الله - عليه السلام - يتوضأ بالمد"، وقد وافقه على ذلك عتبة بن أبي حكيم فيما روي فيما مضى، حيث قال: حدثني عبد الله بن جَبْر بن عتيك قال: "سألنا أنسًا عن الوضوء الذي يكفي الرجل، قال: كان رسول الله - عليه السلام - يتوضأ من مُد"، فلما روى شعبة بن الحجاج في هذا الحديث عن عبد الله بن جَبْر، عن أنس: "أنه - عليه السلام - كان يتوضأ بالمكوك" احتمل أن يكون أراد بالمكوك المد؛ لأنهم كانوا يسمون المُد مكوكًا، قال ابن الأثير: المكوك: المد، وقيل: الصاع، والأول أشبه؛ لأنه جاء في الحديث مفسرًا بالمد.

فحينئذٍ يكون الذي كان يتوضأ به مدًّا، ويتفق معنى الأحاديث، ويكون الذي يغتسل به خمس مكاكي، كان يغتسل بأربعة منها أي بأربع مكاكيك وهي أربعة أمداد وهي صاع، ويتوضأ بمكوك آخر وهو مُدّ، غاية ما في الباب أنه جمع في حديث شعبة هذا ما كان يتوضأ للجنابة وما كان يغتسل به لها، حيث قال: "ويغتسل بخمس مكاكي"، وأما في حديث عتبة بن أبي حكيم فقد فصَّل، وأفرد ما كان يغتسل به للجنابة خاصة، وما كان يتوضأ به خاصة أيضًا؛ وذلك لأن عتبة قال: "سألنا أنسًا عن الوضوء الذي يكفي الرجل من الماء، فأجاب أنس بأنه - عليه السلام -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015