والثاني (?): عن أحمد بن محمَّد بن زياد القطان وعلي بن الحسن السواق، قالا: ثنا محمَّد بن غالب، نا أبو عاصم موسى بن نصر الحنفي، نا عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن جرير بن يزيد، عن أنس بن مالك: "أن النبي - عليه السلام - كان
يتوضأ برطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال".
فإن قيل: قال البيهقي: إسناد حديث الدارقطني ضعيف.
قلت: قد حَسُنَ إسناده بما رواه الطحاوي بإسناد صحيح، وتقوى أيضًا بما أخرجه ابن عدي في "الكامل" (?): عن عمر بن موسى بن وجيه الوجيهى، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: "كان النبي - عليه السلام - يتوضأ بالمد رطلين، ويغتسل ثمانية أرطال".
فإن قيل: قال البيهقي: صاع الزكاة وصاع الغسل مختلفان، وأن قدر ما يغتسل به كان يختلف باختلاف الاستعمال، فلا معنى لترك الأحاديث الصحيحة في قدر الصاع المعد للزكاة.
قلت: هذا من البيهقي مجرد دعوى بلا برهان؛ لأنه لم يذكر ولا حديثًا واحدًا فيه تعيين قدر الصاع المعد لزكاة الفطر، وأنه خمسة أرطال وثلث، فافهم.
ص: فإن قال قائل: إن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قد روي عنه خلاف هذا، فذكر ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عبد الله بن عبد الله بن جَبْر، سمع أنس بن مالك يقول: "إن النبي - عليه السلام - كان يتوضأ بالمكوك ويغتسل بخمس مكاكي".
قال: فهذا الحديث يخالف الحديث الأول.
قيل له: ما في هذا عندنا خلاف له؛ لأن حديث فريك إنما فيه أن رسول الله - عليه السلام - كان يتوضأ بالمد، وقد وافقه على ذلك عتبة بن أبي حكيم فروى عن عبد الله بن جَبْر