وتقوير الجواب أن يقال: يحتمل أن يكون مذهب هذين الصحابيين أن لا تقصر الصلاة في حج أو عمرة أو غزوة، ولم يكونا يريان القصر في تلك السفرة التي كانا فيها؛ لأنها لم تكن سفرة الحج، ولا سفرة العمرة، ولا سفرة الغزوة، وقد ذهب إلى هذا المذهب أيضًا غيرهما من الصحابة وغيرهم، فعلى هذا يكونان ممن يرى القصر في السفر ولكن في سفر مخصوص وهو أن يكون سفرًا من هذه الثلاث، فإذا كان الأمر كذلك لم يبق فيه تضادّ ولا تخالف.
قوله: "فإنه قد ذهب" أي: فإن الشأن: قد ذهب إلى أن القصر مخصوص بسفرٍ من هذه السَّفْرات الثلاث غيرهما أي غير الرجل الذي قدمه سلمان والمسور بن مخومة.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" (?): ثنا ابن فضيل وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود: "لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد".
وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "إنما يقصر الصلاة مَن كان حاجّا أو بحضرة عدو".
ورُوي ذلك أيضًا عن أبي قلابة وعن إبراهيم اليتمي.
وفي "الاستذكار" عن عطاء: "ما أرى أن تقصر الصلاة إلا في سبيل من سُبُل الله تعالى"
وكان طاوس يسأله الرجل فيقولُ: "أسافر لبعض حاجتي أفأقصر الصلاة؟ فيسكت، ويقولُ: حُجّاجًا أو عُمّارًا صلينا ركعتين".
وقال أبو عمر: ذهب داود في هذا إلى قول ابن مسعود - رضي الله عنه -، وهو نقض لأصله في ترك ظاهر الكتاب إذ لم يخصّ ضربًا من ضرب، واختلف أهل الظاهر