والقدر، والعقل الإنساني هنا يتدبر وحي الله ويفقهه، ولا يخوض في هذه القضايا بعيدًا عما أوحى الله إليه، وعلى المسلم في هذه الحال أن يتأكد من صدق نسبة النصوص إلى الرسول التي أُوحى إليه بها، فإن كانت صادقة فعليه أن يترك رأيه وهواه، ويحكِّم ما أوحاه الله، وهذا المنهج يمكن أن نطلق عليه المنهج "الإيماني القرآني النبوي"، وعمدة هذا المنهج الأخذ بنصوص الكتاب، وصحيح حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مسائل الاعتقاد.
الثاني: منهج الفلاسفة الذين رفضوا الاحتكام إلى الشرع، وأصروا على أن يضربوا في بيداء شاسعة من غير دليل، فضلوا وأضلوا، لقد غفل هؤلاء عن أن العقل لا يستطع أن يخوض في هذه الميادين بنفسه، لأنها فضايا غيبية، لا تدخل في نطاق قدرات العقول البشرية، ولذلك فإن الفلاسفة كانوا أعدى أعداء الرسل.
وقد تأثر كثير من المنتسبين إلى الإسلام بهؤلاء الفلاسفة، فاحتكموا إلى الموازين والمقاييس العقلية التي أخذوها من أولئك الفلاسفة، وعارضوا بها الشرع، وحكموها في الشرع، وردوا بها كثيرًا من الأحكام الشرعية بحجة أن الأدلة العقلية يقينية، والأدلة الشرعية كثير منها ظني الثبوت ظني الدلالة، أو ظني الثبوت وإن كان قطعي الدلالة، أو ظني الدلالة وإن كان قطعي الثبوت، فرد هؤلاء أحاديث الآحاد في العقيدة، ومنهم من ردها في العقيدة والأحكام، ومنهم من لم يأخذ بنصوص الكتاب لكونها ظنية الدلالة ويمكننا أن نسمي هذا المنهج "المنهج الفلسفي الكلامي".
وهذا الفريق من الناس أكثر الناس اختلافا وتناقضا، وقد حذر العلماء الجهابذة من مغبة السير في هذا الطريق، وبعض سالكيه تراجع عنه جزئيًّا أو كليًّا بعد أن عرفوا ما فيه من اعوجاج.