والطريق الأول طريق الرسل قصير مأمون العواقب، أما هذا فإن سالكيه لا يصلون إليه إلا بعد أن يقتحموا لجة البحر الخضم، فنهم من أوجب الشك أولًا، ومنهم من أوجب النظر أو القصد إلى النظر، ومنهم من ألزم بالبحث في النفوس والعقول، ومنهم الذي نادى بتعلم الرياضيات والطبيعيات، وفهم من قال نبدأ بالمنطق ثم الطبيعيات والرياضيات، وهي علوم لا يتقنها إلا الخاصة، فكيف يتيسر لعوام الناس تعلمها، ثمَّ إذا تعلمها المتعلمون وجدوا مباحث علماء الكلام والفلاسفة بعد ذلك لحم جمل غث، على رأس جبل وعر، أليس الأولى بهؤلاء معرفة الله عن طريق الله وطريق رسوله! !
إن الوحي عندنا أساس العلم، والعلم السماوي نور العقل، والعلم السماوى يعرفنا بربنا وأنفسنا والكون من حولنا، ولسنا بحاجة إلى مقاييس الفلاسفة، وموازين المتكلمين، قيل لابن عباس: كيف عرفت ربك؟ قال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي ما عرفت ربي وصدق والله.
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
وإذا كان العقل يستضيء بنور الوحي، فإن الوحي السماوي قد حوى الأدلة العقلية الباهرة، وألزم العقل بالنظر في ملكوت السموات والأرض، والتفكير في ذلك في قدرة العقل ومكنته، وهذا التفكر يؤكد الإيمان ويقويه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)} [آل عمران: 190 - 191].