والواجبات بعضها مع بعض، والموازنة بين مطالب الروح والجسد أمر عسير ليس بالسهل، فالإنسان يغرق بطبعه في الميل إلى أحد الجانبين، وهذا الميل يسبب فسادًا للفرد والمجتمع.
وقد جاء الإسلام بتشريعه حافظًا هذا التوازن، فأمر الإنسان بعبادة ربه، ولكنه أمره أن يصرف شيئًا من اهتمامه لنفسه وأولاده ومجتمعه، وجعل ذلك نمطًا من التعبد.
وأمره أن يصرف همه للدار الآخرة ونهاه عن أن ينسى نصيبه من الدنيا، ونهاه عن تحريم الطيبات التي أباحها الله لعباده، ونهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عن الانقطاع للتعبد، وترك الجهاد والزواج.
ووازن بين مطالب الروح والجسد، كل ذلك وفق توازن عجيب يبرز خصائص الإنسان، ويقيم الحياة على نحو فريد.
6 - الإيجابية الفاعلة:
إحدى السمات البارزة في ثقافة الأمّة الإِيجابية الفاعلة، فالإسلام يأمر أتباعه بالسعي في الأرض وإعمارها، وفي مجال الحياة الاجتماعية لا يتوقف عند النهي عن الإفساد في الأرض بالقتل والسرقة والزنا وشرب الخمر وتخريب الحضارة والعمران، ولكنه يأمر بالإصلاح والتعمير، وتستطيع أن ترى هذا المبدأ من خلال أمر الإسلام بالمعروف ونهيه عن المنكر {كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] ونراه من خلال الأمر بالتعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].