فالبشر في المجتمعات الجاهلية تحكمهم قوانين البشر، وعادات البشر، وأعراف البشر، وتسرى فيهم العقائد الضالة المحرفة، وكل ذلك يشكل ضيقا في الأفق، ويحجر على الفكر، ويجعل العباد يعيشون في دائرة ضيقة تقيد أعمالهم، ويؤيد الأمر آصارًا وأغلالًا أن العباد يحصرون أنفسهم في ظلال المناهج الجاهلية في دائرة الحياة الدنيا {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7].
وهذه الدائرة الضيقة، وذلك الضلال عن الآخرة يحوَّل الحياة إلى شقاء وأي شقاء، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
انظر كيف حصر الشيوعيون أنفسهم في نظرية ضالة لا تؤمن بخالق الكون، وتؤمن بأزلية المادة، وهي نظرية فاسدة، وانظر كيف أقاموا الحياة على ما سموه يصراع الطبقات، وكيف جعلوا الإنسان محكومًا للمادة، تسيره وتوجهه، ولا يملك لنفسه شيئًا, ومثل هذا يجعل المبدأ يضيق ضيقا لا يزيد عمّا كان يعيشه العابد للوتن، والساجد للصنم، والزاعم أن عيسى ابن الله تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، والثقافة الغربية كبقية الثقافات المعرضة عن هدي السماء قتلت أشواق الروح، وقطعت الصلة بين النفس وخالقها، فجفت فيها ينابيع المودة والمحبة والطمأنينة، وتحول الإنسان في عالم الغرب إلى آلة كبقية الآلات التي تعمل بغير شعور وإحساس.
3 - عالمية الثقافة:
تقوم الثقافات البشرية على اعتبارات وأسس محكومة بالنظرة القومية والعنصرية، يقول رينان الفرنسي: "جنس واحد يلد السادة والأبطال هو