صحابيًّا آخر، فإمّا أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر، فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجّة.
وقالت طائفة منهم: هو حجّة، وليس بإجماع، وقالت طائفة قليلة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعًا ولا حجة، وإن لم يشتهر قوله، أو لم يعلم اشتهر أم لا، فاختلف فيه الناس: هل يكون حجة أم لا؟ فالذي عليه جهور الأمّة أنّه حجّة، هذا قول جمهور الحنفية، صرح به محمد بن الحسن، وذكر عن أبي حنيفة نصًّا، وهو مذهب مالك وأصحابه، وتصرفه في موطئه يدل عليه، وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي عبيد، وهو منصوص الإمام أحمد في غير موضع عنه، واختيار جمهور أصحابه، وهو منصوص الشافعي في القديم والجديد (?).
ومذهب الشافعي هذا صرح به في كتابهِ الرسالة قال: "ولقد وجدنا أهل العلم يأخذون بقول واحد (أيّ الصحابة) مرة ويتركونه أخرى، ويتفرقون في بعض ما أخذوا منهم، قال (أي مناظره): فإلى أي شيء صرت من هذا؟ قلت: اتباع قول واحدهم إذا لم أجد كتابًا ولا سنة ولا إجماعا ولا شيئًا في معناه يحكم" (?).
وقال في الأم: "إن لم يكن في الكتاب والسنة صرنا إلى أقاويل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو واحد منهم، ثمَّ كان قول أبي بكر وعمر أو عثمان إذا صرنا فيه إلى التقليد أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، لنتبع القول الذي معه الدلالة" (?).