الفاعل الذي كان المصدر مضافاً إلا ليدل على كون الاسم مخبراً عنه - أعني
الفاعل الذي كان المصدر مضافاً إليه - ولم تختلف أبنيته بعدما اشتق من المصدر إلا لاختلاف أحوال الحدث من مضي واستقبال، فإن كان قصد المتكلم ألا يقيد الحدث بزمان دون زمان، ولا بحال استقبال دون حال مضي، بل يجعله مطلقاً بلفظ الماضي الذي لا زوائد فيه، فيكون أخف على اللسان وأقرب إلى لفظ الحدث المشتق منه، ألا ترى أنهم يقولون:
" لا أفعله ما لاح برق " و " ما طار طائر "، بلفظ
الماضي خاصة لما أرادوا مدة مطلقة غير مقيدة، وأنه لا يفعل هذا الشيء في مدة لوح البرق وطيران الطائر ونحو ذلك، فلم يجاوز لفظ الماضي لأنه لا يريد استقبالاً ولا حالاً على الخصوص.
فإن قلت: ولا يريد أيضاً ماضياً، فكيف جاء بلفظ الماضي؟.
قلنا: قد قرن معه " لا أكلمه "، فدل على أن قوله: " ما لاح برق "
يريد به لوحاً قد انقضى وانقطع، وإنما يريد مقارنة الفعل المنفي للفعل الآخر في المدة على الإطلاق والدوام، فليس في قوله " لاح " إلا معنى اللوح خاصة، غير أنه ترك لفظ المصدر ليكون " البرق " مخبراً به عنه كما تقدم.
فإذا أردت هذا ولم ترد تقييداً بزمام فلفظ الماضي أخف وأولى.
وكذلك قوله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) .
أضاف الإنذار إلى المخاطب المخبر عنه به.
فاشتق من الإنذار الفعل ليدل على أن المخاطب هو فاعل الإنذار، وترك الفعل بلفظ الماضي لأنه مطلق في الزمان كله، وأن القوم لم يبالوا بهذا ولا يبالون، ولا هم في حال مبالاة، فلم يكن لإدخال الزوائد الأربع معنى، إذ ليس المراد تقييد الفعل بوقت ولا تخصيصه بآن.
فإن قلت: لفظ الماضي تخصيصه بالانقطاع؟.
قلنا: " حدث حديثين امرأة "، فيما قدمناه ما يفى عن الجواب، مع ما في
قوله: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) من ثبوت هذه الصفة فيهم وحصولها في الحال وفي المآل، ولا تقول: سواء ثوباك أو غلاماك، إذا كان الاستواء فيما مضى وهما الآن مختلفان.
فهذه القرينة تنفي الانقطاع الذي يتوهم في لفظ المضي، كما كان لفظ
الحال في قولك: إلا أكلمه ما دامت السماوات والأرض " ينفي الانقطاع المتوهم في