كان، ليعلم المخاطب أن ما كان مسنفهماً عنه معلوم، كما تقول: قام زيد فترفعه لأنه فاعل ثم تقول: " ما قام زيد " فيبقى الكلام كما كان وتبقى الجملة محكية على لفظها، لتدل على أن ما كان خبراً متوهما عند المخاطب فهو الذي نفي بحرف النفي.

ولهذا نظائر يطول ذكرها، فكذلك قوله تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) .

لما لم يبالوا بالإنذار ولا نفعهم ولا دخل في قلوبهم منه شيء، صار في حكم

المستفهم عنه أكان أم لم يكن.

فلا تسمي الألف ألف التسوية، كما فعل بعضهم.

ولكن " ألف " الاستفهام بالمعنى الذي وضعت له ولم تزل عنه.

* * *

فصل

فإن قيل: فلم جاء بلفظ الماضي - أعني قوله: (أَأَنْذَرْتَهُمْ) ، وكذلك:

(أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ) .

و" أقام زيد أم قعد " - ولم يجئ بلفظ الحال ولا المستقبل؟

فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن في الكلام معنى الشرط، والشرط يقع بعده المستقبل بلفظ

الماضي، تقول: " إن قام زيد غداً قمت "، وههنا يتقدر ذلك المعنى كأنك قلت: " إن قام زيد أو قعد لم أباله "، ولا ينفع القوم إن أنذرتهم

أو لم تنذرهم ".

فلذلك جاء بلفظ الماضي.

وقد قال الفارسي قولاً غير هذا ولكنه قريب منه في

اللفظ، قال: " إن ألف الاستفهام تضارع " إن " التي للجزاء، لأن الاستفهام غير واجب كما أن الشرط ليس بحاصل إذا عدم الشروط ".

وهذه العبارة، فاسدة من وجوه يطول ذكرها، ولو راعى المعنى الذي قدمناه لكان أشبه، على أنه عندي مدخول أيضاً لأن معنى الشرط يطلب الاستقبال خاصة دون الحال والمضي.

وقوله: (سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ) و (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) لا يختص

بالاستقبال بل المساواة في عدم المبالاة موجودة في كل حال، بل هي أظهر في فعل الحال، ولا يقع بعد حرف الشرط فعل حال بوجه.

والتحقيق في الجواب أن تقول: قد أصلنا في " نتائج الفكر " أصلاً، وهو أن

الفعل لم يشتق من المصدر مضافاً إلا ليدل على كون الاسم مخبراً عنه - أعني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015