فإن قيل: من أين أفادت " ما " الزائدة معنيين، وهي إذا كانت موضوعة موضعها لا تفيدُ إلا معنى النفي وحده؟
قلنا: لم تفد النفي والإيجاب بمجردها، ولكن باجتماعها مع القرائن المتصلة
بها. أما في قولهم: " شر ما جاء به " فبانتظامها بالاسم النكرة، والنكرة لا يبتدأ بها، فلما قصد إلى تقديمها علم أن فائدة الخبر مخصوصة بها، ووكد ذلك التخصيص بما، وانتفى الأمر من غير الاسم المبتدأ أو لم يكن إلا له، وصار ذلك بمنزلة من يقول: ما جاء به إلا شر.
واستغنينا بما ههنا عن " ما " النافية، وبالابتداء بالنكرة عن
" إلا ".
وأما قولك: " إنما زيد قائم " فقد انتظمت بإن وامتزجت معها، وصارتا كلمة واحدة. و " إن " تعطي الإيجاب الذي تعطيه " إلا "، و " ما " تعطي النفي، ولذلك جاز " إنما يقوم أنا، و " أنا " لا تكون فاعلة إلا إذا فصلت من الفعل بإلا، تقول: " ما يقوم إلا أنا "، ولا تقول: " يقوم أنا "، فإذا قلت: " إنما " صرت كأنك قد لفظت بما مع " إلا ".
قال الشاعر:
أدافع عن أعراض قومي وإنما ... يدافع عن أعراضهم أنا أو مثلي
وكذلك فعلت مع اتصالها بحرف الجر.
نحو قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) .
وبالمنصوب نحو قوله: (قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ) ، دلت على النفي بلفظها.
وعلى الإيجاب بتقدم ما حقه التأخير وارتباطها به، كما تقدم في قولهم:
" شر ما جاء وأما ما دخله معنى الدعاء فابتدئ به وهو نكرة، فلا يكون إلا في معنى الأحداث والمصادر فما ارتفع منه نحو: " سلام عليكم ".
و" ويل له "، فإنما يرتفع لوجهين:
أحدهما: أنك لما كنت داعياً، وكان الاسم المبتدأ نكرة هو المطلوب
بالدعاء، صار كالمفعول ووقع موقعه، كأنك قلت:
" أسال الله سلاماً عليك "، أو: " أطلب منه ويلاً للكافرين ".