- رضي الله عنه - " تمرة خير من جرادة "، ونحو ما قدر سيبويه
من قوله تعالى: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)
أي: طاعة أمثل، ولم يقل: " مثيلة " ولا حسنة، لأن
النكرة لا يخبر عنها كما تقدم إلا على الشروط المذكورة أو تريد التفضيل فتقول: " تمرة أفضل من كذا " أو: " طاعة أفضل "، لأنك حين قلت:
أفعل من كذا، علم أنك تريد أن تقول: أفضل تمرة لم وأوثر طاعة، ونحو هذا المعنى.
فخرجت النكرة عن أن تكون مبتدأ محضاً ومخبراً عنه حقيقة، والله تعالى أعلم.
* * *
فصل
(في بعض مسوغات الابتداء)
ومما ابتدى به - وهو نكرة - ما دخله معنى الدعاء أو معنى يخرجه عن أن يكون الكلام خبراً محضاً كما تقدم في التفضيل.
فمن ذلك ما أريد به التزكية نحو قوهم: " أمت في الحجر لا فيك "، لأنهم لم
يقولوا: " أمت في الحجر "، ويسكنوا ههنا حيت قرنوه بقول:
" لا فيك "، فصار معنى الكلام: إضافة " الأمت " إلى " الحجر " أقرب من إضافته إليك، والأمت والحجر أليق به منك ونحو هذا، لأنهم أرادوا تزكية المخاطب ونفي العيب عنه ولم يريدوا الأخبار عن " أمت " أنه في الحجر، بل هو في حكم النفي عن الحجر وعن المخاطب معاً، إلا أن نفيه عن المخاطب أوكد.
وإذا دخل الحديث معنى النفي فلا غرو أن يبتدأ بالنكرة، فقد تقدم حسن
الإخبار عنها في النفي لما فيه من العموم والفائدة، وهو بديع لمن تأمله.
ويشبهه: " شر ما جاء به " و " شر ما جاء به إلى مخه عرقوب ".
لأن معنى الكلام " ما جاء به إلا شر "، فقامت " ما " الزائدة مقام شيئين:
حرف النفي، وحرف الإيجاب، كما أدت هذين المعنيين في قولك: إنما زيد قائم، أي: ما زيد إلا قائم.
وفي قوله عز وجل: (قليلًا ما يؤمنون) ، أي: ما يؤمنون إلا قليلاً.
و (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) ، أي: ما لعناهم إلا بنقض ميثاقهم.