ولكنك لم تنصبه (كما نصبت) : سقياً ورعياً وجدعاً وعقراً، لأنك تريد أن
تشوب الدعاء بالخبر، كأنك تريد: " سلام مني عليكم "، فصار السلام في حكم المنعوت بقولك: " متى " فقوي الرفع فيه على الابتداء، لأن النكرة المنعوتة يبتدأ بها.
وهذا هو الوجه الثاني من الوجهين المحسنين للابتداء بها والتقديم لها، ألا ترى
أن كل من يقول: " سلام عليكم " إنما تريد أن يشعر بأنه مسلم ومحيي، فالسلام صادر منه لأنه في معنى التحية.
وليس كذلك: سقياً وجدعاً، لأن المتكلم بها ليس بساق
ولا جادع ولا عاقر، وإنما هو طالب من الله تعالى هذه الأشياء، فهي مفعولة.
وأما " خيبة له "، و " ويحا " و " ويساً " و " ويلاً "، فيجوز فيها النصب، لأنها في
حكم المطلوب بالدعاء، ويجوز فيها الرفع إذا كان المتكلم بها يريد أن يجعل لنفسه حظاً في هذه المعاني، فإذا قال للسائل: " خيبة له "، فلا يريد محضَ الدعاء كما أراد بقوله: " عقراً "، و " جدعا ".
ولكن يريد: " تخيبت مني "، كأنه يخبر عن الخيبة وأنها
صادرة منه، كما كان ذلك في السلام إذا أراد به التحية، ولو أراد به السلامة والعافية لقال: " سلاماً لك "، " سلامة لك " بالنصب، لأن سلامة المخاطب ليست من فعل المتكلم.
وكذلك " السقي " " والرعي "، فلا بدَّ من النصب على هذا الوجه، وأما " ويح " و " ويل " فترحم واستقباح، و " ويس " استصغار، فتارة تكون نصباً كما تكون " خيبة " وذلك إذا أردت محض الدعاء، وإن أردت أن تشوب الدعاء بخبر عن نفسك رفعت كلما رفعت " سلام عليك " إذا أردت التسليم والتحية، لأنك مترحم كما أنك مسلم.
فيكون التقدير " ويح مني لك " و " استقباح مني له "، لأن الويل قبوح، ولا يتصور هذا في " تباً له " ولذلك منع " سيبويه " الرفع " تباً،، وأنكر على من أجازه، ولم يبين العلة ولا كشف السر لا هو ولا من شرح " الكتاب ".