فصل
(في مسوغات الابتداء بالنكرة)
وحد المبتدأ أن يكون معرفة أو مخصوصاً وإلا فلا فائدة في الإخبار عنه
فإن لم يكن منعوتاً ولا مخصوصاً ولامستفهماً (عنه) ولامنفياً نحو:
(لَا لَغْوٌ فِيهَا) ، فلا يخبر عنه، إلا أن يكون الخبر مجروراً معرفة مقدماً (عليه) ، لأن الخبر إذا كان مقدماً ومعرفة فإن كان في اللفظ خبر المبتدأ فإنه في المعنى مخبر عنه، لأن التعريف والتقديم يجران إليه ذلك المعنى، فكأنك إذا قلت: " على زيد دين " إنما قلت: " زيد مديان " وإذا قلت: " في الدار امرأة "
إنما أردت: " الدار فيها امرأة ".
فلذلك حسن الإخبار عن النكرة ههنا في اللفظ لأنه ليس خبراً عنهما في الحقيقة، ألا ترى أنك إذا قدمت الاسم المبتدأ فقلت: " رجل في الدار "، كيف يبقى الكلام ناقصاً؛ لأن النكرة تطلب الوصف طلباً حثيثاً، فيسبق إلى الوهم أن الجار والمجرور وصف لها لا خبر عنها، إذ ليس من عادتها أن يخبر عنها إلا بعد الوصف لها.
فإذا قدمت الجار والمجرور عليها استحال أن يكون وصفاً لها، لأن الوصف لا
يتقدم الموصوف فذهب الوهم إلى أن الاسم المجرور المعرفة الذي هو في
موضع خبر عن النكرة هو المخبر عنه في المعنى وإن كان مجروراً في اللفظ. فكم من مجرور في اللفظ مخبر عنه في الحقيقة، مثل قولهم: له صوت صوت
" حمار "، ونظائره أكثر من أن تحصى.
فهذا موضع يكون المبتدأ فيه نكرة مع ما تقدم
من ذكر المستفهم عنه والمنفي.
وفي العربية أبواب رفعت فيها النكرة بالابتداء سوى ما ذكرناه، ولكن لمعان
مازجت الكلام، وقرائن أحوال حسنت النظام.
من ذلك التفضيل نحو قول عمر