وفي الحديث:
"مسكين رجل لا زوجة له! مسكينة امرأة لا زوج لها ".
قلنا: لا يخفى على مثل الخليل مثل هذه الشواهد ولكنه أراد منع
تقديم الخبر الذي هو خبر محض مجردٌ من المعاني التي هي نحو المدح والذم
والترحم والتعظيم وغير ذلك، لأن تلك المعاني إِذا دخلت في الكلام حسَّنت تأخيرَ المبتدأ، لأنه قد صار بسببها مفعولا في المعنى؛ ألا ترى أنك إذا قلت:
" حسنٌ زيد! "، فإن المعنى: أستحسن زيداً.
وإذا قلت: "مسيءٌ عمرو! "، فالمعنى: أذُمّ عمراً.
وإذا قلت: " مسكين فلان! "
فالمعنى: أرحم فلاناً وأرق له.
وأشعرتْ هذه الصفات كلها بهذا المعنى الذي
لو لُفظ به مصرحاً لكان مقدماً والاسم مؤخرا.
وذلك الاسم هو المبتدأ في اللفظ وهو المذموم أو المرحوم في المعنى.
وأما إذا تجرد الخبر من هذه القرائن كلها مثل قولك: " قائم زيد "
و"ذاهب عمرو " و "خياط أخوك "
فهو الذي أراد الخليل أنه يقبح تقديمه.
والله أعلم.
وأما ما حكاه سيبويه من قولهم: " قائم أنا "، فليس " أنا " مبتدأ، إنما هو
تأكيد للمضمر في " قائم "؛ لأن " قائم " خبر لمبتدأ محذوف؛ وكان قائلاً قال له: ما أنت؟!
فقال: " قائم ".
ثم أكد بقوله: " أنا ".
ولا يمنع الخليل مثل هذا.
فقد يجوز على هذا " فائمٌ زيد! "
إذا سألك سائل أو توهمت منه إرادة السؤال عن زيد، فتقول:
" قائم "، أي: " هو قائم "، فيكون حينئذ " زيد " بدلاً من الضمير
المستتر في قائم، وذلك الضمير عائد على أول الكلام لا على " زيد ".
فإن عاد على " زيد " لا على شيء في أول الكلام فـ " زيد " مبتدأ
و" قائم " خبر عنه مقدم، وهو الذي منعه الخليل.
فقف على هذا الأصل تُحكِمْ جميعَ هذا الفصل - إن شاء الله تعالى -
وأكثر هذا الكلام قد رأيته للأستاذ
" أبي الحسين بن الطراوة " رحمه الله.