مسألة

وأما " لَكِنَّ " فأصح القولين فيها: أنها مركبة من " لا " و " إنَّ ".

و" الكاف ". و " الكاف " التي هي للخطاب - في قول الكوفيين - ما أراها إلا كاف التشبيه، لأن المعنى يدل عليها إِذا قلت: ذهب زيد لكنَّ عمراً مقيم، تريد: لا كفعل عمرو.

فلا لتوكيد النفي عن الأول، وإن لإيجاب الفعل الثاني، وهو المنفي عن

الأول، لأنك ذكرت الذهاب الذي هو ضده فدل على انتفائه.

فلا تقع " لَكِنَّ " إلا بين كلامين متنافيين، فلذلك تركبت من " لا " و " الكاف

و" إن "، إلا أنهم لما حذفوا " الهمزة " المكسورة، كسروا الكاف إِشعاراً بها. ولا بد بعدها من جملة إذا كان الكلام قبلها موجباً، شَدَّدْتَ نونها أو خَفَّفْت، فإذا كان ما قبلها منفياً اكتفيت بالاسم المفرد بعدها إذا خففت النون منها، لعلم المخاطب أنه لا يضاد النفي إلا الإيجاب، فلما اكتفت باسم مفرد - وكانت إذا خففت نونها لا تعمل - صارت كحروف العطف، فألحقوها بها، لأنهم حين استغنوا عن خبرها بما تقدم من الدلالة، كان إجراء ما بعدها على ما قبلها أولى وأحرى، ليتفق اللفظ كما اتفق المعنى.

فإن قيل: أليس مضادة النفي للوجوب بمثابة مضادة الوجوب للنفي، وهي في كل حال لا تقع إلا بين كلامين متضادين، فلم قالوا: ما قام زيد لكن عمرو، اكتفاء بدلالة النفي على نقيضه وهو الوجوب، ولم يقولوا: قام زيد لكن عمرو اكتفاء بدلالة الوجوب على نقيضه وهو النفي؟

فالجواب: أن الفعل الموجب قد يكون له معان تضاده وتناقض وجوده، كالعلم فإنه يناقض وجوده الظن والشك والغفلة والموت، وأخص أضداده به الجهل، فلو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015