وهذا كما تقول: " زيد لا يخلوا أن يكون في الدار أو في المسجد "، ذكرت
(أَوْ) لأنك أردت أحد الشيئين.
وتأمل الآية مع ما قبلها في التفسير تجدها كما ذكرت لك.
وأما قوله تعالى: (فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) .
فإنه ذكر قلوباً ولم يذكر قلباً واحداً، فهي على الجملة قاسية، وعلى التعيين: إما كالحجارة، ففيها ما هو كذلك.
وإما أشد قسوة ففيها ما هو كذلك أيضاً.
ومثل هذا قول ابن عُلْيَة:
فقالوا لنا ثنتان لا بد منهما
أي: لا بد منهما على الجملة: ثم قال:
صدور رماح أشرعت أو سلاسل
يريد في حق كل منهم على التعيين، لا بد له من هذا أو من هذا.
وأما في الجملة فالأمران واقعان جميعاً.
وقد يجوز في قوله عز وجل: (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) أن يكون مثل قوله:
(مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) .
وأما أو التي للتخيير فعلى أصلها، لأن المخبر إنما يريد أحد الشيئين.
وأما (أَوْ) التي زعموا أنها للإباحة نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين، فلم
توجد الإباحة من لفظ (أَوْ) ولا من معناها، وإنما أخذَتْ من صيغة الأمر مع قرائن الأحوال.
و (أَوْ) غير معتمدة في هذا الكلام، وإنما دخلت لغلب العادة في أن المشتغل
بالفعل الواحد لا يشتغل بغيره، وأن المجالس للحسن أو ابن سيرين غير جامع بينهما معاً، ألا ترى أن المأمور بهذا لو جمع بين الشيئين المباحين لم يكن عاصياً، علماً بأن (أَوْ) ليست ههنا معتمدة. والله أعلم.