و " وأوصيته أن اشكر " و " عقدت في يدي أن قد أخذت خمسين ".
و" زويت على حائطي أن لا يدخلوه ".
ومنه قوله عز وجل: (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) .
هي ها هنا تفسيراً للنصبة التي هي لسان الحال.
والله المسدد للمقال، والموفق لصالح الأعمال.
وإذا كان الأمر فيها كذلك فهي بعينها " أن " التي تقدم ذكرها، لأنها إذا كانت تفسيراً فإنما تفسير الكلام، والكلام مصدر، فهي إذاً في تأويل مصدر، إلا أنك أوقعت بعدها الفعلٍ بلفظ الأمر والنهي، وذلك مزيد فائدة، ومزيد الفائدة لا يخرج الفعل عن كونه فعلا، وكذلك لا تخرج " أن " عن كونها مصدرية، كما لم يخرجها عن ذلك صيغة المضي والاستقبال بعدها إذا قلت: " يعجبني أن تقوم " و " أن قمت ".
فكأنهم إنما قصدوا إلى ماهية الحدث مخبراً به عن الفاعل لا الحدث
مطلقا، ولذلك لا تكون مبتدأ وخبرها ظرف أو مجرور، لأن المجرور لا يتعلق
بالمعنى الذي تدل عليه " أن "، ولا الذي من أجله صيغ الفعل واشتق من المصدر، وإنما يتعلق المجرور بالمصدر نفسه مجرداً من هذا المعنى، كما تقدم، فلا يكون خبراً عن " أن " المتقدمة، وإن كانت في تأويل اسم.
وكذلك أيضاً لا يخبر عنها بشيء مما هو صفة للمصدر، وكقولك:
" قيامك سريع أو بطيء " أو نحو ذلك، لا يكون مثل هذا خبراً عن المصدر.
فإن قلت: " حسن أن تقوم " أو: " قبح أن تفعل " جاز ذلك لأنك تريد بها معنى المفعول، كأنك تقول: " استحسن هذا أو استقبحه "، وكذلك إذا قلت: " لأن تقوم خير من أن تقعد " جاز، لأنه ترجيح وتفضيل، فكأنك تأمره بأن يفعل ولست بمخبر عن الحدث، بدليل امتناع ذلك في المضي، فإنك لا تقول فيه: " إن قمت خير من أن قعدت "، ولا: " أن قام زيد أحسن من أن قام عمرو ".
وامتناع هذا دليل على ما قدمنا من أن الحدث هو الذي يخبر عنه.
وأما " أن " وما بعدها فإنها - وإن كانت في تأويل المصدر - فإن لها معنى زائداً لا يجوز الإخبار عنه، ولكنه يراد ويكره ويؤمر به.
فإن وجدتها مبتدأة ولها خبر فليس الكلام على ظاهره، على ما تقدم.