أحدهما كالعلة للآخر، بخلاف الظرف من الزمان إذا قلت: " حين قام زيد قام عمرو " فجعلت أحدهما وقتاً للآخر على اتفاق لا على ارتباط، فلذلك زادوا " أن " بعدها صيانة لهذا المعنى، وتخليصاً له من الاحتمال العارض في الظرف، إذ ليس الظرف من الزمان بحرف فيكون قد جاء لمعنى كما هو في " لما ".
وقد زعم الفارسي أنها مركبة من " لم " و " ما " وما أدري ما وجه قوله، وهو عندي من الحروف التي في لفظها شبه من الاشتقاق، وإشارة إلى مادة هي مأخوذة منها نحو ما تقدم في " سوف " و " ثم "، لأنك تقول:
" لممت الشيء لمًّا " إذا ضممت بعضه إلى بعض، وهذا نحو من المعنى الذي سبقت إليه " لما "، لأنه ربط فعل بفعل على
جهة التسبيب أو التعقيب، فإذا كان التسبيب حسن إدخال أن بعدها زائدة إشعاراً بمعنى المفعول من أجله، وإن لم يكن مفعولاً من أجله، نحو قوله تعالى: (وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا) و (فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ) ، ونحوه.
وإذا كان التعقيب مجرداً من التسبيب لم يحسن زيادة " أن " بعد " لمَّا " وتأمله
في القرآن تعرف الحكمة، إن شاء الله تعالى.
وأما " أن " التي للتفسير فليست مع ما بعدها في تأويل المصدر، ولكنها تشارك " أن " التي تقدم ذكرها في بعض معانيها، لأنها تحصين لما بعدها من الاحتمالات، وتفسير لما قبلها من المصادر المجملات، التي في معنى المقالات والإشارات، ولا يكون تفسيراً إلا لفعل في معنى التراجم الخمس الكاشفة عن كلام النفس، لأن الكلام القائم في النفس والغائب عن الحواس في الأفئدة، تكشفه للمخاطبين خمسة أشياء: اللفظ، والخط، والإشارة، والعقد، والنصب، وهي لسان الحال، وهي أصدق من لسان المقال.
فلا تكون (أن) المفسرة إلا تفسيراً لما أجمل من هذه
الأشياء، كقولك: " كتبت إليه أن أخرج "، و " أشرت إليه أن اذهب ".
و (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ)