أما " أن " فهو مع الفعل بتأويل المصدر.
فإن قيل: فهلا اكتفي بالمصدر واستغني به عن " أن " لأنه أخصر؟.
فالجواب: أن في دخول " أن " ثلاث فوائد:
إحداها: أن الحدث قد يكون فيما مضى، وفيما هو آت، وليس في صيغة ما يدل على مضي ولا استقبال، فجاؤوا بلفظ الفعل المشتق منه مع " أن " ليجتمع لهم الإخبار عن الحدث مع الدلالة على الزمان.
الثانية: أن " أن " تدل على إمكان الفعل دون الوجود والاستحالة.
الثالثة: أنها تدل على مجرد معنى الحدث دون احتمال زائد عليه، ففيها
تحصين للمعنى من الإشكال، وتخليص من شوائب الاحتمال، وذلك أنك اذا
قلت: " كرهت خروجك "، أو: " أعجبني قدومك ".
احتمل الكلام معاني منها: أن يكون نفس القدوم هو العجب لك دون صفة من صفاته وهيآته، وإن كان لا يوصف في الحقيقة بصفات ولكنها عبارة عن الكيفيات.
واحتمل أيضاً أن تريد أنك أعجبتك سرعته أو بطؤه أو حالة من حالاته، فإذا قلت: " أعجبني أن قدمت "، كانت على الفعل " أن " بمنزلة الطابع والعنوان من عوارض الاحتمالات المتصورة في الأذهان.
ولذلك زادوا " أن " بعد " لما " في قولهم:
" لما أن جاء زيد أكرمتك " ولم يزيدوها بعد ظرف سوى " لما "
وذلك أن " لما " ليست في الحقيقة ظرف زمان، ولكنه حرف يدل على ارتباط الفعل الثاني بالأول وأن