الاعتماد على الكتاب والسنة وإجماع الأمة في الاستدلال يقلل الخطأ ويكثر الصواب والتوفيق، وهذا الخطأ يكون بسبب نقص علم المستدل أو قصور فهمه، أو سوء قصده، وهذا قد يوجد في بعض أهل السنة (ففي بعضهم من التفريط في الحق، والتعدي على الخلق ما قد يكون بعضه خطأً مغفوراً، وقد يكون منكراً من القول وزوراً، وقد يكون من البدع الضلالات التي توجب غليظ العقوبات؛ فهذا لا ينكره إلا جاهلٌ أو ظالم ... ) لكن -مع ذلك- هم بالنسبة إلى غيرهم -في ذلك- كالمسلمين بالنسبة إلى بقية الملل، فكل شر يكون في بعض المسلمين فهو في غيرهم أكثر، وكل خيرٍ يكون في غيرهم فهو فيهم أعلى وأعظم، وهكذا أهل الحديث والسنة بالنسبة إلى غيرهم من طوائف المسلمين (?): يعرفون الحق ويرحمون الخلق، أما أهل البدع فيكذبون بالحق ويكفرون الخلق، فلا علم ولا رحمة ... (?).

النتيجة الحادية عشرة: الاستغناء بالكتاب والسنة عما سواهما:

الالتزام بهذا المنهج يفيد الاستغناء بالكتاب والسنة عن النظر في الكتب المتقدمة: كالتوراة والإنجيل والزبور، لما أصابها من التحريف والتبديل، والزيادة والنقصان، فالقرآن الكريم كتاب مستقل بنفسه، ناسخٌ لما قبله، لم يحوج الله تعالى أهله إلى كتاب آخر -كما هو حال أهل الزبور والإنجيل مع التوراة- والقرآن قد اشتمل على جميع ما في الكتب الأخرى من المحاسن، وعلى زيادات كثيرة لا توجد فيها، مع ضمان الحفظ ونزاهة النص عن التحريف، ولهذا كان مصدِّقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه، ويقرر ما فيه من الحق، ويبطل ما حرف منه، وينسخ ما نسخه الله تعالى (?). ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينظر في صحيفة من التوراة غضب وقال: (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ... والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني).

النتيجة الثانية عشرة: طريقة السلف: أسلم وأعلم وأحكم:

إن الذين يقولون: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهي التأويل الذي هو صرف النصوص إلى معنى قد تحتمله اللغة، لكن في غير هذا السياق المعين، والتأويل عندهم مظنون بالاتفاق (?) فلا أحد منهم يقطع بالمعنى الذي صرفوا اللفظ إليه، لم يحصلوا شيئاً، بل تركوا النصوص وفيها الحق واليقين، ولجأوا إلى احتمالات وتجويزات مزقتهم كل ممزق، مع حيرة وضياع:

قال الشوكاني رحمه الله (?): (فهم -أي أهل الكلام- متفقون فيما بينهم على أن طريق السلف أسلم، ولكن زعموا أن طريق الخلف أعلم، فكان غاية ما ضفروا به من هذه الأعلمية لطريق الخلف أن تمنى محققوهم وأذكياؤهم في آخر أمرهم دين العجائز، وقالوا: هنيئاً للعامة، فتدبر هذه الأعلمية التي حاصلها أن يهنئ من ظفر بها للجاهل الجهل البسيط، ويتمنى أنه في عدادهم، وممن يدين بدينهم ويمشي على طريقهم، فإن هذا ينادي بأعلى صوته، ويدل بأوضح دلالة على أن هذه الأعلمية التي طلبها: الجهل خير منها بكثير، فما ظنك بعلم يقر صاحبه على نفسه: أن الجهل خير منه، وينتهي عند البلوغ إلى غايته، والوصول إلى نهايته أن يكون جاهلاً به، عاطلاً عنه، ففي هذا عبرة للمعتبرين وآيةٌ بيّنةٌ للناظرين ... ).

النتيجة الثالثة عشرة: اجتماع محاسن الفرق الأخرى لأهل السنة خالصة من كل الدر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015