وأيضاً كان زعيمهم واصل بن عطاء الغزال يشكك في عدالة علي وابنيه، وابن عباس، وطلحة، والزبير، وعائشة وكل من شهد حرب الجمل من الفريقين، فقال مقالته المشهورة: لو شهد عندي علي وطلحة على باقة بقل لم أحكم بشهادتهما؛ لعلمي بأن أحدهما فاسق ولا أعرفه بعينه. ووافقه على ذلك صاحبه عمرو بن عبيد وزاد عليه بأن قطع بفسق كل من الفريقين.
وأما الخوارج فتكفيرهم لعلي وأكثر الصحابة رضي الله عنهم واستباحتهم لدمائهم وأموالهم مشهورٌ معلوم، بل ساقوا الكفر إلى كل من أذنب من هذه الأمة.
أما الشيعة فشعارهم الطعن في سائر الصحابة -عدا آل البيت- وغلاتهم من السبئية والبيانية، وغيرهم قد حكم علماء الإسلام عليهم بالردّة والخروج من الدين بالكلية.
والإمامية منهم ادعت ردَّة أكثر الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
والأشاعرة ونحوهم من المتكلمين ممن يدعي في طريقة الخلف العلم والإحكام، وفي طريقة السلف السلامة دون العلم والإحكام، يلزمهم تجهيل السلف من الصحابة والتابعين، وهو طعنٌ فيهم من هذا الوجه؛ ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن حكى عنهم هذا الكلام: (ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض) (?).
فكيف يقال في هؤلاء جميعاً أنهم موافقون للصحابة في علومهم وأعمالهم؟!.
النتيجة الثامنة: شرف الانتساب للسلف الصالح:
لقد تقدم في التمهيد لهذا البحث بيان أن السلفية تطلق ويراد بها أحد معنيين:
أحدهما: الحقبة التاريخية التي تختص بأهل القرون الثلاثة المفضلة؛ لحديث: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ... ).
الثاني: الطريقة التي كان عليها أهل تلك القرون الفاضلة من التمسك بالكتاب والسنة وتقديمها على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم الصحابة والسلف.
فالسلفية بالمعنى الثاني منهاجٌ باقٍ إلى يوم القيامة يصح الانتساب إليه متى التزمت شروطه وقواعده؛ لحديث: (لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
وعليه، فكل أحدٍ وإن تأخر زمانه عن عصر السلف، لكنه التزم منهاجهم في العلم والعمل فهو منهم، وسلفي معهم، فالمرء مع من أحب. قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله لبعض أصحابه: (أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض، فإن رضيتَ أن تكون مثلهم فكن مثلهم، وإن رأيتَ أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت) (?).
النتيجة التاسعة: عدم صحة الإيمان بالمشروط:
الالتزام بهذا المنهج يقرر عدم صحة الإيمان المشروط كمن يقول: أنا لا أؤمن بخبر الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أعلم انتفاء المعارض العقلي، وأنا لا أؤمن حتى تصدق خبره رؤيا منام، أو كشف، أو ذوق، أو حس (التجربة المعملية) أو نحو ذلك من الشرائط، فهذا إيمانٌ لا يصح، وصاحبه فيه شبه من الذين: (قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) (الأنعام: 124)، والذين قالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) (البقرة: 55).
فالواجب على الإنسان -إذا تبين له صدق الرسول- أن يؤمن بالله ورسالاته إيماناً غير مشروط، ولا متعلق بشيء من خارج. ولهذا كان شعار أهل الإيمان: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (البقرة: 285)، وشعار أهل الكفر والطغيان: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) (البقرة: 93).
النتيجة العاشرة: تكثير الصواب وتقليل الخطأ: