الالتزام بهذا المنهج يجمع لأهل السنة ما عند الفرق الأخرى من الحق، مع نبذ أباطيلهم؛ لأن ما عند الفرق المخالفة للحق شبه، والشبهة ما أشبهت الحق من وجه، ولهذا تشتبه على الناس، فأهل السنة يأخذون بالوجه الحق، ويدعون الوجه الباطل، وسبب هذا التوفيق هو استدلالهم بجميع النصوص، من غير توهم تعارض بينها، أو بينها وبين العقل الصحيح الصريح، أما أهل الفرق الأخرى فقد ضربوا النصوص بعضها ببعض، أو عارضوها بآرائهم وأقيستهم الفاسدة، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، وأهل السنة آمنوا بالكتاب كله، وأقاموه علماً وعملاً.

النتيجة الرابعة عشرة: مخالفة مسالك الأمم الضالة:

الالتزام بهذا المنهج يفيد مجانبة مسالك الأمم الضالة من اليهود والنصارى وغيرهم، وقد أمرنا بمخالفة طرائقهم، وتجنب سننهم، ومنها أنهم ردوا على الرسل ما أخبروا به، واعترضوا عليه بالاعتراضات الباطلة، كما قالت اليهود لموسى عليه السلام: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) (البقرة: 55) وقال الذين كفروا: (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ) (الأنعام: 124).

وكل من أوقف الإيمان بالنصوص على موافقة عقله أو قياسه أو ذوقه أو كشفه أو منامه أو حسه ففيه شبه من اليهود والنصارى والذين كفروا، وقد أمرنا بمخالفتهم. ولهذا لا تكاد تجد شبهةً أو مقالةً منحرفة في الفرق المخالفةِ لأهل السنَّة والجماعة إلا وفي اليهود والنصارى نظيرها.

النتيجة الخامسة عشرة: ما تلزمه المخالفة من الكفر، وما يلتزمه المخالف من الدعوة إلى بدعته:

مخالفة هذا المنهج تؤدي إلى كثير من الكفريات كنفي الصفات، والقول بخلق القرآن، والتكذيب بالقدر، ونفي رحمة الرب تعالى ومشيئته واختياره، والحلول والاتحاد، وتفضيل الأولياء على الأنبياء، والتكذيب بأخبار المعاد وحشر الأجساد، والطعن في الصحابة وحملة الدين، وغير ذلك من الأمور الكفرية، وقد كان لكل فرقة من الفرق المخالفة لأهل السنة نصيبٌ من هذه الأمور وغيرها.

قال أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: (وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك، وكثيرٌ منهم إلى الإلحاد؛ تشم روائح الإلحاد من فلتات كلام المتكلمين ... ) (?).

كما أنه يغلب على مخالف هذا المنهج أن يكون داعياً إلى بدعته؛ لأنه يتدين بذلك، أي يعتقده ديناً وشرعةً، وأن ما عليه غيره بدعة وضلالة، وعلى هذا يفهم قول من قال: المبتدع لا توبة له (?)؛ لأنه يعتقد أن ما عليه هو الحق، وما دونه الباطل، بخلاف العاصي فإنه مُقِرٌّ بمخالفته ومعصيته، فهذا يُرجى رجوعه وتوبته، بخلاف ذلك المبتدع.

النتيجة السادسة عشرة: اليقين والثبات لأهل السنة، وفي مقابله الاضطراب والتنقل لأهل البدع:

الالتزام بهذا المنهج يفيد الرجل يقيناً وثباتاً، ومخالفته تفيده اضطراباً وتنقلاً: قال ابن تيمية رحمه الله: (إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالاً من قولٍ إلى قول، وجزماً بالقول في موضع، وجزماً بنقيضه، وتكفير قائله في موضعٍ آخر، وهذا دليل عدم اليقين، فإن الإيمان كما قال فيه قيصر لما سأل أبا سفيان عمن أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرجع أحدٌ منهم عن دينه سخطةً له، بعد أن يدخل فيه؟ قال: لا. قال: وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشته القلوب، لا يسخطه أحد. ولهذا قال بعض السلف -عمر بن عبد العزيز أو غيره-: من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015