وتقاعد دراموند هاي عن الخدمة سنة 1886م، فدخلت العلاقات الثنائية بين المغرب وبريطانيا في مرحلة جديدة اتسمت بمظاهر التوتر، خاصةً بعد دخول ألمانيا حلبة الصراع على المغرب، فقام النائب البريطاني الجديد كربي كرين ( Kirby Green) بممارسة ضغوط قوية على المخزن بين سنتي 1886 و 1891م لانتزاع موافقته على مد خط تلغرافي وتجديد المعاهدة التجارية التي رفضت أيام دراموند هاي، ودخلت علاقات المغرب مع بريطانيا في مرحلة الأزمة، حين قام النائب البريطاني إيوان سميث ( صلى الله عليه وسلمuan Smith) بتعيين نائب قنصلي بريطاني في فاس دون موافقة من المخزن، كما مزق نسخة المعاهدة التجارية أمام أنظار السلطان مولاي الحسن الذي أمر نائبه الطريس بالاحتجاج على ذلك بالكتابة إلى اللورد سالزبوري (?)، وبالرغم من تعويض إيوان سميث بنائب جديد وما صاحبه من انفراج نسبي بين الطرفين، فإن معالم التلاشي والقطيعة بين البلدين بدأت تتضح، بينما بدأت تبدو في الأفق بوادر التقارب الفرنسي -البريطاني.
وكانت وفاة فكتوريا في يناير 1901م، وتولية إدوارد السابع ( صلى الله عليه وسلمdouard VII) 1901-1910 م الذي كان شديد الإعجاب بفرنسا، سبباً في تقرب بريطانيا من فرنسا للحفاظ على مكتسباتها الاستعمارية وتعزيزها في مواجهة محتملة ضد ألمانيا.
وانتهى التقارب الفرنسي - البريطاني إلى الاتفاق الودي الذي أُبرم في 8 إبريل 1904م.
وبموجب المادة الثانية والسابعة منه، تركت بريطانيا لفرنسا صلاحية التصرف في المغرب. وأثبتت بريطانيا بذلك تخليها نهائياً عن مؤازرتها للمغرب، مخالفةً بذلك تقليداً طبع العلاقات المغربية - البريطانية خلال سنواتٍ طويلةٍ من تاريخها المشترك.
وقد حاولنا في هذا الكتاب تتبع مختلف المراحل التي مرت بها العلاقات المغربية - البريطانية على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن ثم جاءت فكرة تقسيمه إلى خمسة فصول ذات اهتمامات ومواضيع مشتركة، وكانت الغاية من تخصيص فصل تمهيدي لتطوير العلاقات التاريخية بين البلدين، هي إعطاء فكرة عامة عن الظروف التي كون فيها الطرفان رصيداً تاريخياً مشتركاً بينهما؛ ذلك الرصيد الذي كان له أثره على تمتين العلاقات الثنائية بينهما، خلال القرن التاسع عشر وحتى سنة 1904م.
ونظراً للأهمية التي احتلتها معاهدة 1856م بين البلدين، أفردنا لها فصلاً خاصاً لتوضيح الظروف العامة التي أحاطت بإبرامها؛ تلك المعادة التي قلبت أوضاع المغرب رأساً على عقب وعلى جميع المستويات، وقبل الحديث عن التأثير الذي أحدثته تلك المعاهدة على المجتمع المغربي وعلى الحياة الاقتصادية لسكانه، لم نجد بُداً من تخصيص الفصل الثاني للحديث عن الموقف الذي اتخذته بريطانيا من الأطماع الإسبانية في شمال المغرب، واتضح في هذا الفصل مدى الاهتمام الذي أولته بريطانيا بكل ما يحول دون استقرار إسبانيا في إحدى الجهات الشمالية للمغرب. وكان المخزن يعتقد عن حسن نية أن بريطانيا أصبحت صديقاً حقيقياً له وساهراً على مصالحه الحيوية، في حين كانت بريطانيا لا تسعى إلا لحماية مصالحة المتوسطية والسعي في الوقت نفسه إلى تعزيز نفوذها عند المخزن.