وبعد نهاية الحرب المغربية - الإسبانية، شهدت الحركة التجارية نوعاً من الانتعاش، وبدأت مرحلة التطبيق الكامل لبنود معاهدة 1856م التجارية، وقد خصصنا فصلاً كاملاً للمبادلات التجارية بين المغرب وبريطانيا لمعرفة مدى أهمية التجارة في الاهتمامات البريطانية في المغرب، وتبينت الهيمنة الكاملة لبريطانيا على تلك التجارة، وأبرزنا، على قدر الإمكان، النتائج التي ترتبت على معاهدة 1856م والتي كان لها أثر على مختلف فئات المجتمع المغربي.
وكان اهتمامنا بالتجارة بين المغرب وبريطانيا من الأسباب التي دفعتنا إلى تخصيص الفصل الرابع من هذا الكتاب لقضايا المغاربة اليهود ومسألة الحماة القنصلية، وذلك نظراً لارتباط ظاهرة الحمايات بوضعية اليهود وبأحوال التجارة المغربية بصفةٍ عامة. واتضح أن بريطانيا ساهمت إلى حدٍ بعيد في إحداث تغييرات جذرية في وضعية المغاربة اليهود، إذ نصبت نفسها مدافعةً عن حقوقهم، دون أن تتنبه للخلل الذي يمكن أن يترتب عن ذلك التدخل حتى لليهود أنفسهم.
أما الفصل الخامس، فخصصناه للحديث عن السياسة الإصلاحية للمخزن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فحاولنا التعرض فيه لكل المجالات التي دعته بريطانيا إلى إصلاحها، فاتضح أن تلك الإصلاحات المزعومة لم تكن مسخرةً سوى لمصلحة الأجانب، وأوردنا أمثلةً كثيرةً على ذلك، وكنا نود تخصيص فصلٍ سادسٍ للوجود البريطاني في جنوب المغرب، غير أن الوثائق المتوفرة لدينا في هذا الموضوع كثيرة جداً، فأجَّلنا الخوض فيها إلى مناسبةٍ لاحقة.
واتضح في الفصل الختامي، بعد فشل بريطانيا في تجديد معاهدة 1856م أن نهاية مدة خدمة جون دراموند هاي في المغرب سنة 1886م حملت في طياتها بوادر انهيار نفوذ بريطانيا في المغرب، غير أن هذه النفوذ ما لبث أن عاد بقوة بعد وفاة السلطان المولى الحسن وتولية المولى عبد العزيز، وسيكون هذا موضوعاً لدراسةٍ أخرى، نحن بصدد إنجازها، تغطي المدة الزمنية الممتدة من سنة 1886م -التي ينتهي فيها هذا الكتاب- وسنة 1912م التي دخل فيها المغرب تحت نفوذ الحماية الفرنسية ومعلومٌ أن بريطانيا لم تتخلى عن مراقبة تطورات الأوضاع في المغرب، واختارت تقديم السند الكامل للسلطات الاستعمارية الفرنسية ومؤازرتها في إطار الوفاق الثنائي الذي طبَّع العلاقات الفرنسية - البريطانية، تحسباً لمواجهة ألمانيا التي بدأت تهدد التوازن الأوروبي بقوة.