7) أن دراسة علم السير (علاقة دولة الإسلام بغيرها)، فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية, وهي الكتاب والسنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك من مصادر؛ وعليه فلا يؤخذ علم السير من أخبار المغازي التي لم تثبت من جهة الإسناد، ولا من الأحداث التاريخية التي مرت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين؛ فالتاريخ مصدر عظة واعتبار، لا مصدر تشريع، اللهم إلا أن يذكر على سبيل عرض تجارب الأمم، وبيان المفيد منها، ليس إلا.
8) أهمية الدراسة التحليلية للفقه الإسلامي لتمييز الثابت والمتغير، وكشف تقعيداته؛ للإفادة العملية منها.
9) أهمية العناية بأسباب الخلاف وكشفها من خلال النظر في أوجه الاستدلال عند المخالفين مع ما ينصون عليه من ذلك، وأن ذلك خطوة عملية مهمة للوصول إلى فهم نوع الخلاف من حيث كونه حقيقياً أو لفظياً، ومن ثم بيان شكليته وضم المسألة لجملة مسائل الاتفاق، أو الوصول إلى الراجح وإن كانت المسألة مسألة خلاف ما حقيقي.
10) أن السياسة الشرعية إطار فقهي لمسائل ذات صفات محددة لا يمكن أن تتعارض مع نصوص الشريعة وقواعدها؛ فإذا ما لوحظ تفريع مسألة أو تخريجها تتعارض مع ذلك، تبين خروجها عن وصف الشرعية؛ وبهذا يظهر الحد الفاصل بين السياستين الشرعية والوضعية؛ وبالخروج عنه تخرج المسألة عن الميزان الذي وضعه الله عز وجل للإنسان.
11) أن دراسة أحكام الشريعة الإسلامية عامة، وأحكام السياسة الشرعية خاصة، سبب من أسباب زيادة الإيمان بالله عز وجل ودينه الحق؛ فإن لها صبغة لا تعرفها القوانين؛ ومذاقاً لا يعرفه الملحدون؛ مُسَلَّمَة لا شية فيها؛ من عرف قدرها وتأمل أسرارها وحكمها جزم بأنها العدل كل العدل، والحق كل الحق؛ وصدق الله العظيم: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} [البقرة: 138]. ولقد وجدها ابن القيم، فلخصها في قوله: من له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالها وعدلها وسعتها ومصلحتها، وأن الخلق لا صلاح لهم بدونها البتة: علم أن السياسة العادلة، جزء من أجزائها، وفرع من فروعها، وأن من أحاط علماً بمقاصدها، ووضعها مواضعها، لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة.
الثانية: التوصيات:
1) العناية في التعليم العالي، ببيان المصطلحات، وتحديد المفاهيم والمدلولات، ولاسيما فيما من شأنه تعليل الأحكام به، كالسياسة الشرعية؛ ومن ثم تحديد مجالات إعمالها؛ وهذا مما يؤكد أهمية العناية بدراسة المصطلحات الشرعية والفقهية، عند قصد الموازنة بالمدلولات القانونية والنظامية.
2) العناية باستخراج القواعد التي بنى عليها فقهاء الإسلام مسائل فقه السياسة الشرعية في علم السير، من ذوي التخصص الشرعي، وجمع تطبيقاتها السياسية عند فقهاء الإسلام، من جميع المصنفات الشرعية ودواوين الشريعة، في التفسير، والسنة وشروحها، والسيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين، زيادة على كتب الفقه، والأصول، والقواعد؛ مع عدم معارضة التقعيدات الفقهية بتقعيدات مستحدثة.
3) الإفادة العملية، من البحوث السياسية الشرعية، في المشروع الواجب، مشروع العودة إلى الإسلام عقيدة وشريعة، في سبيل النهوض بالأمة، ورفعها من كوبتها، وإعادتها إلى مكانتها من العبادة والدعوة والعزة، والتمكين؛ إرضاء لله تعالى، ورفعاً للظلم عن أوليائه، وكبتاً لأعدائه، وبياناً عملياً للعالم – كله – يكشف له حقيقة السعادة وطرائق تحصيلها في الدارين.
4) وهذا الواجب – في التزام الإسلام كافة – يتعين على أولى الأمر من العلماء والأمراء؛ ثم على من دونهم من النواب والموظفين، كل على قدر طاقته.
5) عقد مؤتمرات علمية عالمية إسلامية، وندوات شرعية تأصيلية؛ لبيان ما اعترى فقه السياسة الشرعية من التحريف – بالاستناد في بيانها إلى أخبار المغازي التي لم تثبت صحتها، ومن الأحداث التاريخية التي مرت في بعض عصور الدولة الإسلامية، كما هو صنيع بعض الباحثين مثلا – وبيان كون السياسة الشرعية جزءاً من الشريعة، فهي فقه شرعي، كغيره من مسائل الفقه، يؤخذ من مصادر الشريعة الإسلامية التي يرجع إليها في بحث بقية الأحكام الشرعية؛ وهي الكتاب والسنة والإجماع وما تفرغ عن ذلك طرائق استنباط.
6) عقد مؤتمرات دولية عالمية، وندوات شرعية تعريفية؛ تبين الفقه السياسي الإسلامي، وتوضح ما اعترى الفقه السياسي الشرعي من التحريف بتطبيق بعض المنتسبين إليه، وتكشف كذب الأعداء وتشويههم للحقائق الشرعية، وتنفير الناس من الإسلام وأهله.
7) ليكن أساس كل جهد فردي أو مؤسسي، طلب الحق وابتغاء الصواب؛ حتى يؤجر العبد أخطأ أو أصاب؛ ولا يكن غرض البحث تبرير واقع، أو مسايرة مخالف؛ فإن مما قاله العارفون: من لم يعمل من الحق إلا بما وافق هواه، ولم يترك من الباطل إلا ما خف عليه، لم يؤجر فيما أصاب، ولم يفلت من إثم الباطل، نسأل الله برحمته اللطف، والعفو، والغفران.