¤عبدالله بن إبراهيم الطريقي£بدون¥دار المسلم¨الأولى¢1416هـ€سياسة شرعية¶حسبة - منوعات
الخاتمة
قبل توديع القارئ الكريم، هنا وقفتان جديراتان بالتدوين:
الأولى: مع رجل الحسبة ـ سدد الله خطاه وبارك في جهوده ـ لأذكره بأمور، أحسبها مهمة ومفيدة، مع رجائي أن يلقي سمعه وهو شهيد.
1ـ أنك رجل دعوة، يبلغ الحق إلى من يجهله أو يتجاهله. وهذا يتطلب منك فقهاً في معرفة هذا الحق، وفقهاً في معرفة النفوس.
2ـ أنك رجل إصلاح وتقويم، تصلح ما فسد من حال الأفراد والمجتمع، وتقوِّم الإعوجاج القائم فيهما، وهذا يتطلب فقهاً تربوياً.
3ـ أنك رجل تغيير واحتساب على المنكرات والمخالفات الظاهرة.
وهذا يتطلب: فقهاً في معرفة المنكر والمخالفة، وفقهاً في كيفية التغيير. ثم شجاعة وحزماً في مواجهة ذلك.
وبهذه الأمور الثلاثة: الدعوة، والإصلاح، والتغيير تتكامل مهمتك، وتتضح رسالتك.
4ـ وفي علاقتك بالكافر ينبغي أن تقوم شخصيتك على عنصرين معاً: التسامح، والقوة.
وهما, وإن كانا في ظاهرهما التناقض، لكنهما عند التدقيق ليسا كذلك.
فإن شخصية المسلم تقوم على أخلاقيات متمازجة: كالحلم والأناة، والقوة والشجاعة، والصبر، والعفو، والرحمة وغير ذلك، وليس بينها تناقض، بل بعضها يكمل بعضاً.
5ـ ومتى استحضرت مقاصد الدعوة في معاملتك للكافر، فإنه يلين معك، بل يتفاعل، وربما كان من آثار ذلك الاقتناع، ثم الرجوع إلى الحق، وبذلك تنال خيراً هو أعظم لك من حمر النعم.
6ـ والمطلوب منك عند الاحتساب ممارسة ما خولته من صلاحيات، وأما ما كان خارجاً عن ذلك فهو غير مستطاع بالنسبة لك، وأنت معذور فيه.
ولا يغيب عن بالك قاعدة الشريعة العامة ?فاتقوا الله ما استطعتم (.
7ـ وبإمكانك رفع القضية المشكلة إلى من يعنيه الأمر، ولست مسؤولاً عما يفعل.
8ـ على أنه مهما وضعت الضوابط والقيود على يدك، فإن الكلمة الطيبة لا قيد عليها البتة، وهي أمضى سلاحاً وأقوى تأثيراً من غيرها أياً كان.
9ـ وأخيراً فإنني أتمنى أن تتأمل في هذه الورقات التي أحسب أن فيها خلاصة ما تحتاج إليه في معاملتك للكافر وأسلوب التعايش معه.
10ـ وآخراً أسأل الله لك الثبات علىالحق، والعزيمة على الرشد والصبر على اللأواء، والتسديد في الخطوات، إنه سميع مجيب.
الوقفة الثانية: مع كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، سواء أكان راعياً أم مرعياً، وسواء أكان عالماً أم متعلماً أم عامياً.
لأهمس في أذنه، وأضع أمام بصره هذه الحقائق.
1ـ أن التعامل مع الكافر لا يتم وفق الميول النفسية، أو المصالح المادية الصرفة، بل بحسب القواعد الشرعية، والآداب المرعية.
2ـ أن هذا التعامل لابد أن يكون عادلاً وسطاً، لا إفراط فيه ولا تفريط، أي لا تسهل فيه ولا تشدد.
3ـ أن التشدد يعكس صورة قاتمة عن الإسلام، وأنه لا يعترف للإنسان بكرامة، ولا بحقوق، وأنه دين عنف وإرهاب. الأمر الذي يعرض المسلمين للضرر، كما يباعد بين الكفار ودين الإسلام.
4ـ أن التساهل يجر مصائب على الأمة وويلات لا تحمد عقباها، ويعرض مصالحها للخطر.
نعم قد يبدأ هذا التساهل بصور فردية، ولكنه يتفاقم شيئاً فشيئاً، حتى يصبح ظاهرة اجتماعية ملحوظة، وعند ذلك يتسع الخرق على الراقع.
5ـ والمتأمل في التاريخ يدرك خطورة هيمنة الكفار على المسلمين وتسلطهم عليهم، وأنهم متى وجدوا فرصة للإضرار بالمسلمين لم يألوا جهداً، قال سبحانه: ?يا أيها الذي آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ([آل عمران: 118].
ومن أصدق من الله قيلاً؟
وقد ذكر ابن قيم الجوزية حوادث كثيرة تشهد بصدق على تلك الحقيقة، في عهد خلفاء بني أمية وبني العباس.
كما ذكر مواقف العلماء الإيجابية الشجاعة التي تصدت لتلك الظاهرة الخطيرة.
6ـ ولا شك أن الاحتساب دليل عزة الإسلام وأهله، وعدمه دليل ذلة المسلمين ولا بد.
والحمد لله الذي جعل هذه البلاد موطن عز للإسلام وأهل الإسلام، وذل للكفر وأهل الكفر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.