عقد الذمة في التشريع الإسلامي

¤محمد عبدالهادي المطردي£بدون¥الدار الجماهيرية والإعلان¨الأولى¢1396هـ€سياسة شرعية¶أهل الذمة

الخاتمة

لقد كانت رسالة الإسلام شاملة دعوة عالمية، وبهذا جاءت الشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر وشاملة لجميع شؤونهم وأحوالهم خالدة لا يلحقها نسخ ولا تبديل لأنها خاتمة الشرائع وصالحة لكل زمان ومكان لأن الله جعلها خاتمة الشرائع غايتها إيصال الناس إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.

وقد كان لأحكام الشريعة الإسلامية السيادة في التطبيق قروناً عديدة فما وجد الناس في هذه القرون حاجة إلى تشريع آخر ولا ضيقاً في تطبيقها بل كان في ذلك التطبيق تحقيق العدل بين الناس ورعاية مصالحهم المشروعة ثم هجرها المسلمون هجراً غير جميل وأخذوا يستعيضون عنها بالتشريعات الوضعية الغربية، ولكن مع هذا كله لا نيأس من رجعة المسلمين إلى أحكام شريعتهم لأن الحق لابد أن يعلو وأن المسلمين لابد أن يستيقظوا ويدركوا مدى تفريطهم في جنب شريعتهم. لأنها في ذاتها أصلح من غيرها وأوفى بحاجات الناس من سواها.

نتائج أبحاث الرسالة:

والآن وقد انتهيت من أبحاث الرسالة. ومن خلال دراستي أستطيع أن أسجل النتائج التالية وجلها ظهر في أثناء البحث:

1 - إن الشريعة الإسلامية منذ نشأتها اتخذت العقيدة الإسلامية أساساً لبناء المجتمع وإقامة الدولة، ورفضت بشدة ووضح أي أساس آخر تقوم عليه كالجنس أو اللون أو غيرهما، وعلى هذا الأساس صار الناس في نظرها صنفين مسلمين وغير مسلمين. فكل إنسان يستطيع بمحض إرادته واختياره أن يكون في هذا الصنف أو ذاك. أما الجنس واللون فلا يصلح واحد منهما أن يكون أساساً لتقسيم البشر وبناء المجتمع.

2 - أما عقود الذمة فهي تضمن السلم بشكل آكد من الهدنة أو الصلح لاندماج المسلمين بغيرهم في ظل وطن واحد.

فإذا ما أبرم عقد الذمة صار غير المسلم مواطناً في الدولة الإسلامية وحمل جنسيتها.

ويتمتع الذمي بحرية العقيدة طبقاً للمبدأ الشرعي العظيم {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

والأصل في عقد الذمة أنه من العقود الرضائية.

3 - إقامة الأمن الجماعي على أساس حرمة الميثاق على أن تلك الحرمة من وحي العقيدة والإيمان.

4 - وفي مجال الحقوق السياسية، يتمتع الذمي بما يسمى بحق التوظف ولا يختلف مع المسلم في هذا الحق.

ونرى أن الإسلام لا يمنع إسهام الذميين في إدارة الدولة وإسناد الوظائف العامة إليهم عدا تلك الوظائف التي يكون عنصر الدين فيها جوهرياً وضرورياً ودليلنا على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}.

5 - والأحكام المقررة لغير المسلمين في جميع مسائلهم هي أحكام الشريعة الإسلامية فإنها إذا كانت بالنسبة للمسلمين ديناً وقانوناً، فهي بالنسبة لغير المسلمين قانوناً ما داموا يعيشون في بلاد الإسلام. فمن الخير لهؤلاء أن يحيطوا بهذه الأحكام ويعرفوا هذا الجانب من جوانب التشريع الإسلامي.

6 - وفي بحث الجزية. رجحت أنها وجبت بدلاً عن حماية الدولة الإسلامية للذمي نظراً إلى إعفائه من واجب الدفاع عن دار الإسلام رعاية له وعناية به، ولهذا تسقط عنه إذا لم تستطع الدولة حمايته.

7 - وإنها لم تفرض عليه عقوبة على بقائه على الكفر كما يقول بذلك بعض الدارسين، لأن هذا الادعاء لا يتفق مع قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (). ولأنها لو فرضت عقوبة على بقاء الذمي على دينه لما نجا منها أحد من أهل الذمة ولفرضت حتى على المرأة وهم لا يقولون بالجزية عليها.

8 - إن عقد الذمة قد ينتقض ويزول، فليس في الدنيا شيء خالد. وأسباب انتقاضه محل خلاف بين الفقهاء. وقد رجحت قول الأحناف في حصر أسباب النقض بثلاثة أشياء، إسلام الذمي أو إلحاقه بدار الحرب أو ارتكابه جريمة ضد الدولة الإسلامية.

وما عدا هذه الأسباب فيعتبر من الجرائم التي يعاقب عليها ولا علاقة لها بنقض الذمة.

ونقض الذمة يترتب عليه انقطاع صلة الذمي بالدولة الإسلامية وفقده الجنسية الإسلامية.

وقد انتهت من إعداد هذه الأطروحة، فإني لا أعتبر الجهد الذي بذلته، والتعب المتواصل الذي تحملته – مدة أربع سنوات قضيتها في إعداد هذه الرسالة – إلا شيئاً قليلاً في حق الشريعة الإسلامية، وإني بعد ذلك كله، اعتذر إلى القارئ الكريم عما قد يكون في الرسالة من نقص أو خطأ متمثلاً في ذلك بقول العماد الأصفهاني:

"إني رأيت أنه لا يكتب إنسانا كتاباً في يومه إلا قال في غده:

لو غير هذا لكان أحسن، ولو زاد كذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل.

وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015