¤مسفر غرم الله الدميني£بدون¥بدون¨الأولى¢1404هـ€علوم حديث¶أصول تخريج وتصحيح وتضعيف وجرح وتعديل
الخاتمة
استعرضنا في هذا البحث مقاييس نقد المتن عند الصحابة رضي الله عنهم حيث تأكد لدينا تأصيلهم لمقياس: عرض الحديث على القرآن، فإذا خالفه مخالفة لا يمكن معها الجمع ـ في نظرهم على الأقل ـ حكموا برده إذا لم يمكن تأويله أو توجيهه، كما كانوا يعرضون ما يبلغهم من حديث على ما يعرفه بعضهم أو جميعهم، ويرجحون ما يرونه صحيحاً في نظرهم، والمقياس الثالث الذي لم يتأكد استعمالهم له هو النظر العقلي، وقد تابع المحدثون والفقهاء الصحابة في الأخذ بالمقياسين الأولين وإن كان اتجاه كل فريق منهم إلى ما يناسب تخصصه، فالمحدثون قد يرجحون بقوة الأسانيد أو باعتبارات أخرى في المتن، والفقهاء يقسمون الخبر إلى قسمين متواتر وآحاد، أو قطعي وظني وبعضهم يقدم هذا على ذاك، وآخرون لا يفرقون.
والمحدثون يعرضون الروايات الواردة في حديث واحد بعضها على بعض ويظهر لهم من هذا العرض عدة نتائج مهمة ذات أثر كبير في تصفية الحديث مما يمكن أن يعلق به من زيادات الرواة أو إدراجاتهم، كما كان من مقاييسهم استعمال المعلومات التاريخية في نقد ما يرد في متن الحديث، وهذا من أقوى المقاييس صدقاً في نتيجته خصوصاً إذا كانت تلك المعلومات يقينية ثابتة.
كما نظر المحدثون في متن الحديث فإذا كان لفظه أو معناه ركيكاً لا يقول مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك دليلاً على عدم صحته، وكذا إذا كان مخالفاً للأصول والمفاهيم الشرعية المعلومة عند الناس، أو يشتمل على أمر منكر أو مستحيل فكل ذلك لا ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويبدو من الأمثلة التطبيقية التي أوردناها استعمال المحدثين للمقاييس الأربعة الأولى كثيراً عند نقد كتب السنّة بغض النظر عن مصنفها سواء من أهل الصحاح أو غيره، وهذا يعطي تلك المقاييس قدرها بحيث لا يستثنى عند تطبيقها أي كتاب من تلك الكتب، أما الثلاثة الأخيرة فلم تحظ بمثل ذلك القدر، ولم تطبق على الكتب جميعاً بل هي غلباً ما تستعمل عند ضعف الأسانيد أو عدم وصفها بالصحة ولا تكفي تلك الأمثلة النادرة التي ذكرناها دليلاً على القول بأنهم استعملوها في نقد جميع الكتب المصنفة في الحديث، وفي نظري يجب تطبيقها بشكل أوسع على جميع المصنفات دون استثناء، فالحديث الذي يشمل أمراً منكراً أو مستحيلاً، أو معنى ركيكاً هابطاً، أو يخالف أحد التصورات والمفاهيم الإسلامية يجب الحكم عليه بعدم الصحة، ولا تغرنا صحة إسناده عن نكارته فقد أصَّل المحدثون ذلك الأصل العظيم وهو إن صحة الإسناد ليست موجبة لصحة الحديث، وانطلاقاً من هذا الأصل نبني حكمنا على تلك الأحاديث المنكرة حسب تلك المقاييس المتقدمة فيقال عنها ما تستحقه بالنظر إلى متونها وعدم إغفال ذلك عند الحكم عليها.
أما الفقهاء فلعل الحنفية قد بعدوا عن الصواب في عدم تخصيص القطعي بما أسموه ظنياً، وفي عدم الزيادة به أيضاً، وما انتهينا إليه من جواز ذلك ووقوعه عند الحنفية ـ أنفسهم ـ والجمهور هو الصحيح إن شاء الله، وقد كانت تلك المقارنات بين أحاديث ـ ضعيفة ـ زادوا بها على النص القطعي وبين أحاديث ـ صحيحة ـ لم يقبلوا الزيادة بها من أقوى أدلتنا في الرد على الحنفية ونقض ذلك الأصل الذي أصَّلوه.
أما المالكية فقد أوضحنا موقفهم من رد بعض الأحاديث وعدم تخصيصها لبعض العمومات القطعية، أو مخالفتها لعمل أهل المدينة أو إجماعهم، وأن الإجماع الصحيح هو ما أجمعت عليه الأمة كلها، وأن الحق هو فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن خالفه أهل الأرض كلهم.