الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة فصلت: 39] ، وقال تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [سورة ق: 9، 11]

ويلتحق بالإيمان باليوم الآخر:

الإيمان بكل ما يكون بعد الموت مثل:

(أ) فتنة القبر: وهي سؤال الميت بعد دفنه عن ربه، ودينه، ونبيه؛ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم، ويضلُ الله الظالمين فيقول الكافر: هاه، هاه، لا أدري، ويقول المنافق أو المرتاب (?) : لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته.

(ب) عذاب القبر ونعيمه: فيكون للظالمين من المنافقين والكافرين، قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [سورة الأنعام: 93] .

وقال تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [سورة غافر: 46] .

وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلولا أن لا تدافنوا؛ لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل بوجهه؛ فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار) قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: (تعوَّذوا بالله من عذاب القبر) ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: (تعوَّذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن) ، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: (تعوَّذوا بالله من فتنة الدجال) قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال (?) .

وأما نعيم القبر؛ فللمؤمنين الصادقين قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [سورة فصلت: 30]

وقال تعالى: (فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لا تُبْصِرُونَ* فَلَوْلا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [سورة الواقعة: 83، 89] .

وعن البراء بن عازب t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المؤمن إذا أجاب الملكين في قبره: (ينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، قال: فيأتيه من رَوحها وطِيبها، ويفسحُ له

في قبره مدَّ بصره) (?) .

وقد ضلَّ قوم من أهل الزَّيغ فأنكروا عذاب القبر، ونعيمه، زاعمين أن ذلك غير ممكن لمخالفته الواقع، قالوا: فإنه لو كشف عن الميِّت في قبره؛ لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بِسِعَةٍ، ولا ضِيق.

وهذا الزعم باطل؛ بالشرع، والحس، والعقل:

أما الشرع: فقد سبقت النصوص الدالة على ثبوت عذاب القبر، ونعيمه.

وفي صحيح البخاري - من حديث - ابن عباس t قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة؛ فسمع صوت إنسانين يُعَذبَانِ في قبورهما) وذكر الحديث، وفيه:) أن أحدهما كان لا يستتر من البول) وفي رواية: (من بوله) ، وأن الآخر كان يمشي بالنميمة) وفي رواية لمسلم: (لا يستنزه من البول) (?) .

وأما الحس: فإن النائم يرى في منامه أنه كان في مكان فسيح بهيج، يتنعم فيه، أو أنه كان في مكان ضيق موحش، يتألم منه، وربما يستيقظ أحيانًا مما رأى، ومع ذلك فهو على فراشه في حجرته على ما هو عليه، والنوم أخو الموت، ولهذا سماه الله تعالى: (وفاة) قال الله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [سورة الزمر: 42] .

وأما العقل: فإن النائم في منامه يرى الرؤيا الحق المطابقة للواقع، وربما رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صفته، ومن رآه على صفته؛ فقد رآه حقًّا، ومع ذلك، فالنائم في حجرته على فراشه بعيدٌ عما رأى، فإذا كان هذا ممكنًا في أحوال الدنيا؛ أفلا يكون ممكنًا في أحوال الآخرة؟!

وأما اعتمادهم فيما زعموه على أنه لو كشف عن الميِّت في قبره؛ لوجد كما كان عليه، والقبر لم يتغير بسعة ولا ضيق؛ فجوابه من وجوه منها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015