الأول: أنه لا تجوز معارضة ما جاء به الشرع، بمثل هذه الشبهات الداحضة التي لو تأمَّل المعارض بها ما جاء به الشرع حقَّ التأمل؛ لعلم بطلان هذه الشبهات، وقد قيل:
وكم من عائبٍ قولاً صحيحًا وآفته من الفَهمِ السقيمِ
الثاني: أن أحوال البرزخ من أمور الغيب التي لا يدركها الحسُّ، ولو كانت تدرك بالحس؛ لفاتت فائدة الإيمان بالغيب، ولتساوى المؤمنون بالغيب، والجاحدون في التصديق بها.
الثالث: أن العذاب، والنعيم، وسعة القبر، وضيقه؛ إنما يدركها الميِّتُ دون غيره، وهذا كما يرى النائم في منامه أنه في مكان ضيِّق موحش، أو في مكان واسع بهيج، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به، ولقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، وهو بين أصحابه؛ فيسمعُ الوحي، ولا يسمعهُ الصحابة، وربما يتمثَّل له الملك رجلاً فيكلِّمه، والصحابة لا يرونَ الملك، ولا يسمعونه.
الرابع: أن إدراك الخلق محدود بما مكنهم الله تعالى من إدراكه، ولا يمكن أن يدركوا كل موجود، فالسموات السَّبع، والأرض، ومن فيهن، وكل شيء يسبحُ بحمد الله تسبيحًا حقيقيًّا، يُسمعه الله تعالى من شاء من خلقه أحيانًا، ومع ذلك هو محجوب عنا، وفي ذلك يقول الله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُمْ) [سورة الإسراء: 44] ، وهكذا الشياطين، والجن يسعون في الأرض ذهابًا وإيابًا، وقد حضرت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمعوا لقراءته، وأنصتُوا، وولَّوا إلى قومهم منذرين، ومع هذا؛ فهم محجوبون عنا، وفي ذلك يقول الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأعراف: 27] ، وإذا كان الخلق لا يدركون كل موجود؛ فإنه لا يجوز أن ينكروا ما ثبت من أمور الغيب، ولم يدركوه.