بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ ننشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [سورة البقرة: 259] .
المثال الخامس: في قصة إبراهيم الخليل، حين سأل الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى؛ فأمره الله تعالى أن يذبح أربعة من الطير، ويفرقهن أجزاء على الجبال التي حوله، ثم يناديهن؛ فتلتئم الأجزاء بعضها إلى بعض، ويأتين إلى إبراهيم سعيًا، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [سورة البقرة: 260] .
فهذه أمثلة حسِّيَّة واقعة، تدل على إمكان إحياء الموتى، وقد سبقت الإشارة إلى ما جعله الله تعالى من آيات عيسى بن مريم في إحياء الموتى، وإخراجهم من قبورهم - بإذن الله تعالى -.
وأما دلالة العقل: فمن وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى فاطر السموات، والأرض، وما فيهما، خالقهما ابتداء، والقادر على ابتداء الخلق، لا يعجز عن إعادته، قال الله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [سورة الروم: 27] . وقال تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) [سورة الأنبياء: 104] . وقال آمرًا بالرد على من أنكر إحياء العظام وهي رميم: (قُلْ يُحْييهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [سورة يس: 79] .
الثاني: أن الأرض تكون ميتة هامدة، ليس فيها شجرة خضراء؛ فينزل عليها المطر؛ فتهتز خضراءَ حيَّةً، فيها من كل زوج بهيج، والقادر على إحيائها بعد موتها، قادر على إحياء الأموات، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرْضَ خَاشِعَةً فَإِذا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي