عَظِيما لم ير مثله وأحاط بهَا من كل جَانب وَمَكَان برا وبحرا فتحصن أهل مالقة ببلدهم وأظهروا مَا كَانَ عِنْدهم وَمَعَهُمْ من السِّلَاح وَالْعدة والأنفاط وَكَانَ فيهم جملَة من نجدة الفرسان فَقَاتلُوا الرّوم قتالا شَدِيدا وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا حَتَّى إِنَّه قتل من الرّوم فِي يَوْم وَاحِد اثْنَا عشر ألفا وَسبع مئة وَمَعَ ذَلِك بَقِي الْعَدو يفتح عَلَيْهِم أبوابا من الْحَرْب والحيل والمسلمون قائمون بحراسة بلدهم ويغلبون عدوهم وَيقْتلُونَ من قرب إِلَيْهِم مِنْهُم
وهم صَابِرُونَ محتسبون مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى ضيق عَلَيْهِم الْعَدو ودور بِالْمَدِينَةِ سورا من تُرَاب وسورا من خشب وحفيرا مَانِعا وَمنع عَلَيْهِم الدَّاخِل وَالْخَارِج فِي الْبر وَمنع عَلَيْهِم فِي الْبَحْر بالمراكب من الدَّاخِل وَالْخَارِج وَشد عَلَيْهِم فِي الْحصار والقتال وهم مَعَ ذَلِك صَابِرُونَ محتسبون يُقَاتلُون أَشد الْقِتَال وَلَا يظهرون جزعا وَلَا هلعا وَلَا يطمعون الْعَدو فِي شَيْء مِمَّا يرومه مِنْهُم حَتَّى نفد مَا عِنْدهم من الْأَطْعِمَة والزاد وأكلوا مَا كَانَ عِنْدهم من الْمَوَاشِي من خيل وبغال وحمير وكلاب وجلود وورق الشّجر وَغير ذَلِك من الْأَشْيَاء الَّتِي يُمكن أكلهَا حَتَّى فني ذَلِك كُله وَأثر فيهم الْجُوع أثرا عَظِيما وَمَات كثير من نجدة رِجَالهمْ الَّذين كَانُوا يوالون الْحَرْب والقتال