أن يتكلف تعاطي فعل الجواد، وهو بذل المال، ولا يزال يواظب عليه حتى يتيسر عليه، فيصير بنفسه جواداً. وكذا من أراد أن يحصّل لنفسه خلق التواضع، وغلب عليه التكبّر، فطريقه في المجاهدة أن يواظب على أفعال المتواضعين مواظبة دائمة، على التكرر مع تقارب الأوقات.
والعجب أن الأمر بين النفس والبدن دور، إذ بأفعال البدن تكلفاً، يحصل للنفس صفة. فإذا حصلت الصفة فاضت على البدن فاقتضت وقوع الفعل الذي تعوده طبعاً، بعد أن كان يتعاطاه تكلفاً. والأمر فيه كالأمر في سائر الصناعات. فإن من أراد أن يصير له الحذق في الكتابة صفة نفسية ثابتة فطريقه أن يتعاطى ما يتعاطاه الكاتب الحاذق، وهو حكاية الخط الحسن متكلفاً متشبهاً. ثم لا يزال يواظب على تعاطي الخط الحسن، حتى يصير له ذلك ملكة راسخة، ويصير الحذق فيه صفة نفسانية، فيصدر منه بالآخرة بالطبع ما كان يتكلفه ابتداء بالتصنع. فكأن الخط الحسن هو الذي جعل خطه حسناً، ولكن الأول متكلف والآخر بالطبع، وذلك بواسطة تأثر النفس. وكذلك من أراد أن يصير فقيه النفس، فلا طريق له إلا ممارسة الفقه وحفظه وتكراره. وهو في الابتداء متكلف، حتى