وعلمها بكيفية المعيشة مع الأهل والولد والخدم والعبيد، فإنهم خدمك أيضاً كأطرافك وأبعاضك وقواك. وكما لا بد من سياسة قوى بدنك، من الشهوة والغضب وغيرهما، فلا بد من سياسة هؤلاء، وعلم سياسة أهل البلد والناحية، وضبطهم. ولأجله يراد علم الفقه في الأكثر، إلا ما يتعلق بربع العبادات من جملة العبادات الخاصة بالنفس. ومنه آداب القضاء ولا يتم بمعرفة ربع النكاح والبيع والخراج. وأهم هذه الثلاثة تهذيب النفس، وسياسة البدن، ورعاية العدل من هذه الصفات، حتى إذا اعتدلت تعدّت عدالتها إلى الرعية البعيدة من الأهل والولد، ثم إلى أهل البلد. " فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". وما سواه يجري منه مجرى الزكاة من النصاب، والضوء من الشمس، والظل من الشجر. وكيف يتوقع استقامة الظل، مع اعوجاج ذي الظل؟ فإذا لم يقدر الإنسان على سياسة نفسه، وضبطها، فكيف يقدر على سياسة غيره.
فهذه مجامع العلوم العملية. ولنذكر جمل العلم الأخص من هذه العلوم السياسية، فإنه المقصود بالبيان. ومجامع القوى التي لا بد من تهذيبها ثلاث: قوة التفكير،