بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدة بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها، والإقبال بكل الهمة على الله تعالى. ومهما حصل ذلك فاضت عليه الرحمة، وانكشف له سر الملكوت، وظهرت له الحقائق. وليس عليه إلا الاستعداد بالتصفية المجرّدة، وإحضار النية، مع الإرادة الصادقة والتعطش التام، والترصد بالانتظار لما يفتحه الله تعالى من الرحمة. إذ الأولياء والأنبياء انكشفت لهم الأمور، وسعدت نفوسهم بنيل كمالها الممكن لها، لا بالتعلم بل بالزهد في الدنيا والإعراض والتبرّي عن علائقها، والاقبال بكل الهمة على الله تعالى.
فمن كان لله كان الله له، حتى أن في الوقت الذي صدقت فيه رغبتي لسلوك هذا الطريق، شاورت متبوعاً مقدماً من الصوفية في المواظبة على تلاوة القرآن، فمنعني وقال: السيل أن تقطع علائقك من الدنيا بالكلية، بحيث لا يلتفت قلبك إلى أهل وولد ومال ووطن وعلم وولاية، بل تصير إلى حالة يستوي عندك وجودها وعدمها، ثم تخلو بنفسك في زاوية تقتصر من العبادة على الفرائض والرواتب، وتجلس فارغ القلب مجموع الهمّ، مقبلاً بذكرك على الله تعالى.