وذلك في أول الأمر، بأن تواظب باللسان على ذكر الله تعالى، فلا تزال تقول: الله الله، مع حضور القلب وإدراكه، إلى أن تنتهي إلى حالة لو تركت تحريك اللسان، لرأيت كأن الكلمة جارية على لسانك، لكثرة اعتياده. ثم تصير مواظباً عليه إلى أن يمحى أثر اللسان، فتصادف نفسك وقلبك مواظبين على هذا الذكر، من غير حركة اللسان. ثم تواظب إلى أن لا يبقى في قلبك إلا معنى اللفظ، ولا يخطر ببالك حروف اللفظ، وهيئات الكلمة، بل يبقى المعنى المجرد حاضراً في قلبك على اللزوم والدوام. ولك اختيار إلى هذا الحد فقط، ولا اختيار بعده لك، إلا في استدامة لدفع الوساوس الصارفة. ثم ينقطع اختيارك، فلا يبقى لك إلا الانتظار لما يظهر من فتوح، ظهر مثله للأولياء، وهو بعض ما يظهر للأنبياء، قد يكون أمراً كالبرق الخاطف لا يثبت ثم يعود، وقد يتأخر. فإن عاد فقد يتظاهر أمثاله على التلاحق، وقد لا يقتصر على فن واحد، ومنازل أولياء الله فيه لا تحصى، لتفاوت خلقهم وأخلاقهم.
فهذا منهج الصوفية، وقد ردّوا الأمر إلى تطهير محض من جانبك، وتصفية وجلاء، ثم استعداد وانتظار فقط. وأما النظّار فلم ينكروا وجود هذا الطريق، وافضاءه إلى