للناس يومئذ الخيرة في استفتاء من يشاؤون ممن تطمئن إليه أنفسهم وإلى العمل بفتياهم ضمائرهم حين لا يستطيعون أن يصلوا إلى حكم الله بإجتهادهم ونظرهم.
كان كل ذلك سبباً في دفن هذا التراث المجيد وتراكم الأتربة عليه مع طول الزمن حتى خفي على كثير من الناس وبعد على المشترعين منهم إلى هذا الوقت إذ ظهرت النهضة العلمية الفقهية الإسلامية في البلاد الشرقية وبخاصة مصر نتيجة لنمو الوعي القومي فيها وبعث الحركة العلمية الثقافية والتلفت إلى الماضي المجيد والرغبة في ترسمه مع شيوع الفكرة الإستقلالية والشعور بالحاجة إلى التكتل الإسلامي دفعاً لتسلط الأجنبي وضيمه واضطهاده واستغلاله وظهور الرغبة في توجيه البلاد الإسلامية إلى تهيئة أسباب الوحدة بينها في الثقافة والتشريع والإقتصاد والسياسة العامة وليس أصلح لتوحيد القانون فيها من اللإلتجاء إلى الفقه الإسلامي واتخاذه أساساً لقوانينها، منه استمدادها وعليه يكون قيامها.
عن كل هذا نظر الناس إلى ماضيهم فرأوا سنا الفقه الإسلامي ونوره يشع من تحت ما تراكم فوقه من أنقاض فأخذ الفقهاء في بعثه وتوطيء أكنافه وتعبيد سبله وإظهاره للناس بثوب بهي قشيب حتى يكون لهم منه في حاضرهم مستمد لتشريعهم ومعين لقوانينهم بدلاً من الإلتجاء إلى تشريع أجنبي عنهم لم يوضع لهم ولا يتلاءم مع ماضيهم وحاضرهم ولا يتفق مع أخلاقهم وعاداتهم ولا يتمشى مع معتقداتهم وتقاليدهم.
ولقد بدأت هذه الحركة المباركة بوضع قوانين مصرية في بعض مسائل الأسرة ومشاكلها لم يتقيد فيها واضعها بمذهب أبي حنيفة الذي كان عليه العمل في مصر فوضع القانون رقم 25 لسنة 1920 في أحكام نفقة الزوجية والعدة والتطليق للعجز عن النفقة والتفريق بعيب في الزوج وأحكام المفقود والقانون رقم 25 لسنة 1929 في أحكام الطلاق والتطليق للضرر ولغيبة الزوج وحبسه وبعض أحكام النسب والعدة والمهر وسن الحضانة وبعض أحكام المفقود ووضع القانون رقم 48 لسنة 1946 في بعض مسائل الأوقاف مما جأر فيه الناس بالشكوى وطلبوا الخلاص منه ووضع القانون رقم 71 لسنة 1946 في أحكام الوصية ووضع القانون رقم 77 لسنة 1943 في أحكام الميراث، وأُلفت لجان لوضع قانون عام في مسائل الأحوال الشخصية وهي مرحلة جديدة خطتها مصر وانتقلت منها إلى بعض البلاد الشرقية كسورية فوضع فيها قانون في الأحوال الشخصية "الزواج والطلاق والعدد والنفقات والنسب والحضانة