والرضاع والأهلية والنيابة المالية والوصية والميراث" وتونس فوضع فيها قانون لمسائل الأحوال الشخصية. وإنها لمرحلة تؤذن بعهد جديد في البلاد الشرقية: عهد توحيد التشريع فيها وسن القوانين لها على أُسس من الشريعة الإسلامية شريعة الأسلاف والأوطان ومصدر كثير من العادات والتقاليد والأخلاق - عند ذلك يعود لهم مجدهم وتقوى وحدتهم وتشتد إصرتهم وتجتمع كلمتهم فترجع إليهم قوتهم ويعود لهم سلطانهم ويتم لهم استقلالهم في شتى نواحي جهودهم ومضطربهم في هذه الحياة حياة الجد والكفاح والمثابرة والقوة والسلطان والغلب.
وإن في قيام الدكتور محمد زكي عبد البر بإخراج هذا الكتاب - كتاب "تحفة الفقهاء" لعلاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي من فقهاء القرن السادس الهجري ونشره في الناس -سليماً، محققاً، مضبوطاً- لمساهمة منه محمودة في بناء هذه النهضة الفقهية المباركة المرتقبة الثمرة نهضة إحلال التشريع الإسلامي على وضعه الصحيح في البلاد الشرقية محل التشريع الوضعي الغربي وبخاصة إذا لوحظ أن ذلك قد جاء في عهد عُهد فيه بالقضاء في مسائل الأحوال الشخصية على وفق الشريعة الإسلامية إلى رجال القانون الوضعي - قضاة المحاكم المصرية - فكانوا بسبب ذلك في حاجة إلى الرجوع والنظر في كتب الشريعة والإتصال بالفقه الإسلامي والتزود منه والتعرف بأُصوله وحكمه وأغراضه - وكل هذا يحتاج إلى كتب في الفقه جامعة ميسرة لا يمل طولها ولا يفوت الغرض بسبب إيجازها. ولذا كان الدكتور محمد زكي عبد البر موفقاً حين اختار هذا الكتاب وحين اتجهت نفسه في هذا الوقت إلى نشره فالكتاب من ناحية موضوعه مجموعة قيمة من أحكام مذهب أبي حنيفة في كل أبواب الفقه مقارنة في كثير من مسائله بمذهب الشافعي فيها أحياناً وبمذهب مالك أحياناً أُخرى على وضع تجنب فيه مؤلفه الطول الممل والإختصار المخل.
وهو من ناحية ترتيبه وعرضه للمسائل وتفريعها وردها إلى أُصولها أقرب ما يكون إلى ما انتهى إليه التأليف في العصر الحاضر من استعراض لمسائل الأبواب جملة وترتيبها ترتيباً منطقياً تقودك فيه كل مسألة إلى المسألة التي تليها بحيث تجدها متصلة بها وبما قبلها كإتصال الحلقة في السلسلة فلا تكاد تشعر في الباب بإنتقال مفاجيء من موضوع إلى آخر لا يتصل به بل تحس كأنك لا تزال في موضوعك الذي بدأته وذلك ما يعين على جمع الفكر واتصال النظر وفهم الموضوع واستيعابه من جميع أطرافه.