كل أُمة بالعودة إلى أصل قومها قبل الإسلام، من فرعونية أو آشورية أو غيرهما. وهي دعوات خطيرة تبغي تنحية الإسلام عن أن يكون أصلاً في حياتها، إلى أن يكون عرضاً جانبياً لا يمسكها من الأساس، وإنما يربط بينها ربطاً غير موجّه، كرابطة اللون مثلاً، ومن ثم وجب على المخلصين محاربة هذه الدعوات، ومن وراءها من مسلمين جهلاء، وغير مسلمين يمكرون بالإسلام وبالمسلمين. فلكل أُمة مسلمة أن تذكر تاريخها قبل الإسلام، وأن تلتمس منه أسباب القوة، ولكن عليها أن تكمل ذلك بذكر الإسلام وما أضاف من أمجاد إلى أمجادها، وما دفع بها إلى أمام، وما وحد بينها وبين أخواتها، وما وصلت بها هذه الوحدة من عظمة، ثم تواصل السير مع أخواتها -أُمة واحدة- إلى أمام مستمسكة بالإسلام، بانية نهضتها عليه.
القرآن هو حبل الله المتين الذي جذب العرب المتفرقين في البوادي، المختلفين في الطبع والعادة والدين واللهجة، وسلكهم في أُمة واحدة، وجمعهم على دين واحد، وشريعة واحدة، ولسان واحد، وجمعهم على خُلُق واحد، ونهج في الحياة واحد، فكوَّن منهم دولة بعد أن أعطاهم عناصرها. وبالقرآن خرج العرب من بلادهم غازين: يفتحون في الشرق وفي الغرب، وتستسلم لهم قلاع الروم وحصون فارس. وبالقرآن دخل الناس في دين الله، ودولة الإسلام، أفواجاً. وعلى القرآن أقام العرب -والمسلمون- علومهم. فلما وهنت صلة العرب والمسلمين بالقرآن، وهنت دولتهم، وضعفت شوكتهم، واستذلهم من لم يرحمهم. وكما صلح أولنا يصلح آخرنا. ولا ملجأ لنا - في حياتنا السياسية، الداخلية والخارجية، وفي حياتنا الإجتماعية، والتعليمية، والتشريعية -إلا القرآن. فالقرآن- وهذه نعمة كبرى اختص الله بها الأمة الإسلامية - قد نظم الدين والدنيا: فحدَّ الصلة بين المسلم وبين ربه، ونظم العلاقة بين المرء وبين أُسرته في أحواله الشخصية. ورسم أُسس معاملاته مع أفراد مجتمعه ودولته، ووضع منهج السياسة، في السلم والحرب، بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية. والقرآن، لغة وعقيدة وشريعة، هو وحده القادر على أن يجمع بين المسلمين في مختلف أقطارهم. والقرآن، عقيدة وشريعة، هو وحده الذي يربط بين الدول الإسلامية: يشهد ذلك بالحس من زار البلاد العربية والإسلامية، فما يتلى القرآن إلا وتجتمع القلوب وتزول فوارق الجنس واللون والدم والمكان والمجتمع، فيلتفت الصيني إلى المراكشي ويناديه: أخي! فأى قوة أُخرى تصنع مثل هذا الصنيع؟